جاسر عبد العزيز الجاسر
مِن تنوُّع وتنقُّل العمليات الإرهابية عبر خارطة تستهدف مساراً محدداً لأماكن ودول منتقاة، يظهر الهدف النهائي الذي يسعى إليه الإرهابيون الذين ليسوا إلا واجهة لدول جنَّدت مخابراتها لإشعال المنطقة العربية، وإشغالها بالأعمال الإرهابية، وإضعافها دولياً لوضعها خارج الاهتمامات الأُممية من خلال جعلها مشغولة بهمومها.
سوريا، العراق، اليمن، لبنان، مصر، البحرين، الأردن، ليبيا، تونس، الجزائر، تنوُّع جغرافي يشمل كل الخارطة العربية لتحويل الوطن العربي بكل أقطاره إلى تفجيرات إرهابية.
العمل الإرهابي الذي شهدته تونس، باستهداف متحف باردو وينسبه بعض الخبراء لإرهابيي القاعدة، قد يكون استنتاجاً صحيحاً، وقد يكون تنظيم القاعدة متورطاً في هذا العمل الإرهابي، إلا أن الصحيح الذي يجب ألا يغيب عن بالنا، أن هناك تنظيماً دولياً إرهابياً مُركّباً يضم العديد من الجماعات الذين احترفوا العمل الإرهابي، وأن هؤلاء يُحرَّكون من أجهزة استخباراتية دولية على درجة كبيرة من الحرفية والخبرة تتوافق مع درجة عالية من الحقد والكره للدول الإسلامية، وبالذات الدول العربية منها.
مخطط متكامل لتدمير العرب المسلمين ليس فقط بنشر الفتن، وإثارة النعرات الطائفية، وتقسيم العرب المسلمين إلى طائفتين، كل منهما تُحارب الأخرى، بل بتوطين الجماعات والمليشيات الإرهابية ودعمها ببؤر تُوفر المكان الآمن والسلاح والرجال، وتقديم الدعم اللوجستي من خلال توزيع للأدوار تُشارك به دول وأجهزة مخابرات ومليشيات وجماعات إرهابية وتنظيمات تُوظَّف لخدمة دول تقاطعت مصالحها للهيمنة على مقدرات الدول العربية.. وهكذا تنوعت الجهات وتعددت المهام، فاستحدثت داعش وجبهة النصرة والحوثيين وحزب الله، وقبل ذلك القاعدة والجميع هدفه ضرب العربية، وفق نمط تصاعدي وبتناغم لمناطق الاستهداف التي تتطور فوق ما يتحقق على الأرض، والعملية الإرهابية الأخيرة في تونس، هي تجسيدٌ لهذا المفهوم، فتونس - البلد المُسالم الذي لم يكن يحتاج إلى قوات أمنية كبيرة لمواجهة الإرهاب، فُرض عليه أن يقتسم موارده التي لا تكاد تفي بمتطلبات التنمية -يُستهدف بأعمال إرهابية منظمة توسعت بعد انهيار ليبيا، البلد الذي أصبح مصدراً لأسلحة الإرهابيين الذين استوطنوا في البدء في الغابات وخارج المدن، وبالذات في جبل الشعانبي، ومع تنفيذ بعض العمليات في المدن التونسية، تأتي العملية الإرهابية التي تمت في متحف باردو لتُنبئ بتوطُّد العمل الإرهابي في تونس، وتوسُّعه في الغابات إلى المدن، وأن العمليات الإرهابية تستهدف مواقع لها أبعاد وطنية وأهداف سياسية واقتصادية، فمتحف باردو الذي يتواصل مع البرلمان التونسي، يُمثِّل رمزاً وطنياً يعتز به التونسيون كثيراً، كما أنه معلْم سياحي يقصده السياح الذين ينعشون اقتصاد تونس الذي يحتاجهم بشدة، والهدف الإرهابي واضح في مقصده، وهو تدمير الاقتصاد، وهزّ الكرامة والسيادة الوطنية، وهي نفس الأهداف التي يسعى إليها الإرهابيون في مصر والعراق وغيرها من الدول العربية.
إذن، وبما أن أهداف الإرهابيين واحدة، وأن مخططاتهم واضحة ومكشوفة، وأنها تستهدف الدول العربية، فلماذا تتأخر الدول العربية في مواجهة هذا الوباء والبلاء الذي سيصيب الجميع بالدمار، ويتأثر به الكل إن لم يبادروا إلى تكوين منظومة استخباراتية وأمنية وتحالف صادق للتصدي له، فضلاً عن امتناع أقطار عربية عن قطع علاقاتها مع الجهات المشبوهة، والدول التي تُغذي الجماعات الإرهابية وتُجنّدها كواجهة لخدمة أطماعها في المنطقة العربية.