حمّاد السالمي
تزخر بلادنا- بحمد الله- بالكثير من الإمكانيات الجمالية والتاريخية والتراثية؛ التي تجعلها في مصاف الدول السياحية الكبرى في العالم؛ لو أنها استثمرت هذا الجانب كما ينبغي، ووظفت قدراتها فيه اقتصادياً.
أمّا وأنّا؛ لا نعرف من الصناعة السياحية إلا اسمها، ولا نملك إلا القليل مما نعطيه لأنفسنا في هذه المدن أو تلك، وما نطلق عليه السياحة الداخلية؛ فقد وجب أن نلتفت بكل جد إلى هذه السياحة الداخلية التي يتحرك في إطارها داخل حدود الوطن؛ ملايين السعوديين والمقيمين كل عام، وتدور بفعلها عجلة استثمار مالي كبيرة لقطاع لا يستهان به من المستثمرين في النقل والسكن والإعاشة.
لا أملك إحصائية دقيقة بعدد سياح الداخل ولا ما ينفقونه في رحلاتهم هذه إلى المدن والقرى، غير أن ما يصدر من إحصائيات عن عدد السياح السعوديين إلى خارج الحدود، وما ينفقونه من أموال طائلة هناك، يعطينا مقاربة لما هو حاصل بالداخل، ويدفعنا للتفكير في تطوير هذا الفعل الاستثماري الداخلي؛ بشكل يرضي ويغري، ويلبي طلبات ورغبات السعوديين والمقيمين على حد سواء.
ذكرت بعض التقارير الإخبارية الصادرة في نهاية العام 2013م؛ أن عدد السياح السعوديين إلى خارج المملكة قارب الـ (12 مليون سائح)، وأنهم صرفوا ما يناهز (40 مليار ريال).
ومن المؤكد أن هذا الرقم تكرر في العام الفارط، وأنه سوف يتكرر هذا العام ويزداد ربما في الأعوام القادمة، ما يعني أن نصف السعوديين يقضون إجازاتهم صيفاً وشتاءً خارج وطنهم، وهذا حقهم الذي لا يماري فيه أحد، ومن حقهم كذلك، أن نوفر لهم الأجواء السياحية المناسبة داخل وطنهم، في وجهات برية وبحرية متعددة؛ مهيأة خدمياً ونفسياً وترفيهياً، حتى تكون السياحة إلى الداخل منافساً قوياً للسياحة إلى الخارج، وخاصة العائلية منها.. ولكن كيف..؟
من العجائب التي عايشناها بيننا- وما أكثرها- أننا احتجنا إلى عدة عقود لكي نغادر مصطلح (الاصطياف)؛ فنصل بسلام إلى مصطلح (السياحة)..! ذلك أن ساح يسيح وسياحة؛ كانت من الألفاظ (المُؤثّمة) في ذهنية البعض منا؛ رغم حضورها الصارخ في النص القرآني بالمعنى ذاته الذي يعني من ضمن ما يعني: الحركة والسفر والتنقل. (السائحون الراكعون)، و(عابدات سائحات)، و(فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)..!
وما إن وصلنا إلى محطة ما أسميناه (السياحة الداخلية)؛ حتى أصبحنا وجهاً لوجه مع متطلبات عصرية لم نكن مستعدين لها بالقدر الكافي، وليتنا تركنا الجمل للجمّال، وأعطينا الخبز خبازه كما يقال، فيتولى هذه الصناعة قطاع الاستثمار؛ بقيادة هيئة تخطط وتوجه فقط، منذ زمن التحول من محطة (الاصطياف) إلى محطة السياحة، لكن الذي حدث؛ أن الكل راح يضرب بعصا في جسم السياحة الداخلية، حتى تم انهاكه، ولم يستطع الوقوف على أقدامه على كثرتها في بلد متخم بعوائد النفط، حين تمتلئ الجيوب بالأموال، وتتقلص المفاهيم التاريخية والأدبية والتراثية والفنية، على مساحة جغرافية كبيرة جداً؛ متباينة في كل شيء، وثرية في كل شيء، وغنية بما يشكل أعظم بنية سياحية لبلد نفطي؛ سوف يضطر ذات يوم غصباً عنه، للجوء لهذا المكمن الذهبي، الذي ما زل لا يوليه حقه الذي هو حقه.
تزدحم الموانئ الجوية والبرية والبحرية مع بداية كل إجازة بملايين السعوديين المهاجرين سياحياً إلى الشمال والشرق والغرب، وتكتظ الطرق بين المناطق والمدن على التراب الوطني كذلك، بملايين المهاجرين من الداخل للداخل، ومع هذا لا يجد هذا السائح داخل وطنه؛ ما يجده خارج وطنه، من خدمات مكتملة، وترفيه وجذب يبشر بمستقبل واعد لسياحتنا الداخلية.
مَن وما الجهة المخوّلة رسم خطة استراتيجية خمسية أو عشرية أو خلافها، للنهوض بالسياحة الداخلية، وإحلالها إلى جانب النفط كرافد اقتصادي للمجتمع..؟
في المشهد العام بهذا النشاط؛ جهات كثيرة. كل يغني على ليلاه. الهيئة العامة للسياحة، وجهات قيادية وإدارية في المناطق والمحافظات، وفي الصورة ليس أكثر من اجتهادات يوفق بعضها ويخفق بعضها، ويسقط بين هذا وذاك، مرتكزات ثقافية ووطنية مهمة، تستمد قوتها من أبعاد تاريخية وتراثية وطبيعية وجمالية، تتوزع على التراب الوطني كله، وقلّ أن نجدها في بلد آخر غير بلادنا هذه، فالفنون الشعبية والتراثية لم توظف في هذا المشهد المتنازع عليه، بل هي تحارب وتصادر مثلها مثل الفنون الطربية، ويقف بعضهم منغصاً ومشوشاً لهذا الترفيه البريء، دون حماية من إدارة مسئولة..!
في كل إجازة مدرسية أو صيفية أو عيدية؛ تزدحم الطرق بسيارات المتنزهين والسياح بين المناطق والمدن. أين يذهب سياح الداخل..؟ ماذا سوف يجدون من خدمات (مميزة) في سكنهم ومعيشتهم وتنقلاتهم..؟ ماذا ينتظرهم من مهرجانات تسويقية وثقافية وفنية وخلافها..؟ بل.. من يضمن أنهم لن يدخلوا في عراك مع رجل هيئة أو شخص ملقوف في سوق عام..؟!!
اسألوا المهاجرين إلى الداخل يا هيئة السياحة، وقولوا لهم ماذا يريدون منكم للبقاء في وطنهم وبين أهليهم. منكم أنتم وليس من عشرات الإدارات والجهات التي تتدخل في الشأن السياحي وهو ليس من تخصصها.