د. محمد عبدالله العوين
أمام أعضاء البرلمان السويدي الذي انعقد لمناقشة وزيرة الخارجية مارغو والستروم في تصريحاتها المجنحة عن حقوق الإنسان في المملكة حاولت مجتهدة احتواء ردة فعل غاضبة لعدد من أعضاء البرلمان ممن استنكروا موقفها غير الحاذق المخالف للأعراف الدبلوماسية؛ فاجتهدت في إزجاء مديح لبلادنا من حيث المكانة الدينية والسياسية والاقتصادية؛ وكأنها تريد التكفير عما أدلت به، وأكدت على أنها لا تنتقد الإسلام كدين، ولا تسعى إلى إغضاب المسلمين؛ وكأنها تخشى من إثارة العالم الإسلامي ومن ردة فعل المسلمين في بلادها السويد؛ ولكنها تؤكد في مواضع أخرى إما في وسائط التواصل الاجتماعي أو في لقاءات تلفزيونية أو تصريحات صحافية على أنها لا زالت عند رؤيتها السابقة الناقدة للقضاء ولحقوق الإنسان في المملكة كما تزعم!.
ويبدو أن الوزيرة لا تعلم عن خطوات تطويركبيرة حدثت في الجوانب القضائية وحفظ حقوق المدعى عليه؛ كتوفير محام إما من قبله إن استطاع، وإن لم يستطع؛ فإن الدولة تتكفل بتكليف محام يتولى الدفاع عنه أمام الادعاء ثم التقدم بردوده شخصيا أو عن طريق المحامي المكلف بما يبرئ ساحته، وفتحت وزارة الداخلية أماكن التوقيف لوسائل الإعلام ولأعضاء مجلس الشورى ولمنظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية؛ ليطلع من يرغب ويلتقي بمن يود لسماع وجهة نظره في أسلوب التعامل والتأكد من نيله حقوقه وعدم تعرضه لأي من أساليب العنف.
أما في ما يتصل بالمرأة؛ ففي كل البلدان ومنها أمريكا وأوربا لم تستطع أن تصعد المرأة في سلم المسؤوليات وتتوسع في المشاركة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية إلا بعد عقود طويلة من الزمن بعد أن يكون المجتمع الأمريكي أو الأوربي أو الصيني أو الياباني وغيره مهيأ للدور الذي ستنهض به المرأة، والتاريخ القريب إلى ما قبل سبعين وثمانين عاما يؤكد التسلسل التاريخي لتصاعد نيل المرأة الأوربية بما فيها السويد أو الأمريكية أو اليابانية أو الصينية - كمثال - كثيرا من الحقوق، حسب ظروف كل بلد وموروثاته وتقاليده الاجتماعية، وشبيه بذلك حقوق الإنسان؛ كما هي قضية « العنصرية « في أمريكا التي لم تنقرض من الممارسات المشينة في التعليم ووسائل النقل والعمل وغيرها إلا عام 1964م بعد أن ضحى مارتن لوثر كنج بنفسه في سبيل تأسيس قانون منصف يجرم العنصرية ويعاقب على هضم الحقوق بسبب اللون أو الدين أو الجنس في أمريكا.
وبحساب زمني لما وصلت إليه المرأة في المملكة من تأريخ بدء تعليمها بصفة رسمية عام 1960م إلى اليوم؛ حيث أصبحت عضوا في مجلس الشورى، ومديرة جامعة برتبة وزير، وقريبا إن شاء الله عضوا في مجلس الوزراء تحمل حقيبة وزارية خاصة بالمرأة؛ نجد أنها قطعت مرحلة مهمة جدا في نيل حقوقها، وستواصل الطريق لاستكمال حضورها في المشهد العملي حسب ما يتفق مع قيم الدين الذي يكفل لها جميع الحقوق.
فتحت الوزيرة مارغوت والستروم حدقتها كاملة على ما تدعيه وتزعمه في بلادنا، وهي أحكام تصدر من قضاء مستقل لا سلطة للدولة عليه؛ لأن مصدره التشريع وأحكام الفقه الإسلامي؛ بينما أغمضت عينيها قصدا عما يحدث في كثير من بلدان العالم وعلى مرأى من مشاهدي المحطات التلفزيونية مما استطاعت نقله وتوثيقه - والخافي أكبر وأعظم ألما - من جرائم وانتهاكات بشعة لحقوق الإنسان في سوريا حيث البراميل المتفجرة والغازات السامة، وفي العراق حيث سجن « أبو غريب « وحقوق أهل السنة المهدرة من الطائفيين، وفي إيران حيث انتهاك حقوق الأحوازيين العرب السنة، وفي كوريا الشمالية التي يعيش شعبها في سجن كبير، وفي أمريكا نفسها من خلال مأساة سجن جوانتنامو وغيرها.
كيف يمكن لرؤية متعجلة مندفعة من وزيرة الخارجية السويدية أن تهدم بنيانا كبيرا من التعاون بين بلدين صديقين؟ وهل سيرضى العقلاء في مملكة السويد أن تتضرر مصالح بلادهم بسبب تصريح مندفع من مسئولة تتحدث باسم مملكة السويد؛ وليس باسمها الشخصي؟!