د. محمد بن عويض الفايدي
يكمن سر التفوق التقني، والتميز الصناعي الياباني، في الاستراتيجية البحثية اليابانية، التي اعتبرت البحث والتطوير الركيزة الأساس في الانطلاق نحو الريادة منذ مراحل مبكرة في تاريخ الحضارة اليابانية- وتحقيقاً لتلك الرؤية الطموحة وضعت اليابان خطة عشرينية (1970م - 1990م) لتطوير جامعاتها ومراكزها البحثية.
أقامت مدينة تسوكوبا للعلوم، فحشدت فيها الجامعات ومراكز البحوث، وألحقت بها المؤسسات الصناعية- وأصبحت تضم المدينة جامعتين و(46) مركزاً وطنياً للبحوث و(8) مراكز خاصة للبحوث، وعدداً من الهيئات التقنية.
تهدف فكرة إنشاء مثل هذه المدينة بهذه الضخامة والامكانات إلى توثيق الصلة بين مراكز البحوث العامة والخاصة من ناحية، وتوثيق الصلة بينها وبين المؤسسات الصناعية والانتاجية من ناحية أخرى.
تستند سياسة البحث والتطوير اليابانية إلى مجالات التوازن والتنوع البحثي الديناميكي والتخطيط السلوكي الذي يستجيب للتحولات والتغيرات المفاجئة بشكل فوري دون توقف واسترجاع- وسيتم استعراض التجربة اليابانية في محورين رئيسيين على النحو التالي:
المحور الأول:
التنظيم المؤسسي
يتضمن التنظيم المؤسسي لأنشطة البحث والتطوير في اليابان عدد من المنظمات تتولى تمويل ودعم وتنسيق الأنشطة البحثية اليابانية ومن أبرز هذه المنظمات الآتي:
1- مجلس سياسة العلوم والتقنية
يرتبط مجلس سياسة العلوم والتقنية في مكتب مجلس الوزراء الياباني، ويقوم بإجمالي المسؤوليات المتعلقة بتخطيط سياسات البحث والتطوير- ويضم المجلس رئيس الوزراء وستة وزراء دولة تتعلق مسؤولياتهم بـالأبحاث وتمويلها- بالإضافة إلى رئيس مجلس العلوم في اليابان إضافة إلى خمسة أكاديميين وممثلين (اثنين) للصناعة.
يقع على عاتق مجلس سياسة الأبحاث والتقنية مسؤولية صياغة استراتيجية حكومية شاملة للعلوم والتقنية من خلال وضع سياسات حكومية لاعتماد موارد البحث والتقنية (المالية والبشرية)- وتقييم المشروعات المحلية الهامة- بينما تحتفظ وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية ببعض المسؤوليات المتعلقة بتنسيق خطط العلوم والتقنية للوزارات، وذلك قبل عرضها على وزارة المالية للميزانية السنوية.
تتمتع اللجان المحورية السبع التابعة للمجلس بعضوية تمثل أعضاء المؤسسات البحثية الحكومية الرئيسية (بالإضافة إلى الوزير المعني)- وتضم الأمانة العامة لمجلس سياسة العلوم والتقنية حوالي مائة شخص يمثلون قطاع الصناعة، والمجتمع الأكاديمي، وعدداً من الوزراء وذلك لضمان أن الخطط مبنية على مجموعة من وجهات النظر، مع ضمان الحصول على المعلومات من نفس المصادر.
يُعد مجلس سياسة العلوم والتقنية جهازا استشاريا مستقلاً عن باقي الوزارات الأخرى، وذلك ليعمل مثل «برج المراقبة» للعلوم والتقنية على نطاق حكومي واسع.
2- وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية
تضم وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية المعهد الوطني لسياسة العلوم والتقنية وهو عبارة عن مجموعة وحدات بحثية هامة يأتي ضمن مسؤولياتها إجراء الدراسات المستقبلية- وتتولى الوزارة مسؤولية تنظيم النفقات الحكومية للبحث والتطوير، وتوفير التمويل المؤسسي للجامعات- وكذلك دعم عدد من برامج تمويل الأبحاث المفتوحة للباحثين في الجامعات والمعاهد الحكومية وقطاع الصناعة- كما أنها تدعم سلسلة من معاهد الأبحاث التابعة لها والتي تمر بمراحل مختلفة في التحول إلى ما يسمى بالمعاهد الإدارية المستقلة- وتنتهج الوزارة سياسة التقييم الذي يعتبر وسيلة لدعم وتشجيع الإبداع إضافة إلى كونه يلعب دوراً هاماً في تحقيق الاعتمادات الحالية الفاعلة للموارد المالية والبشرية، ويجرى تقييم مشاريع ومؤسسات الأبحاث على كافة المستويات وفي جميع المراحل-
تهدف موجهات التقييم الوطني للبحث والتطوير إلى استخدام المعايير الموضوعية للتدقيق من جهة خارجية (طرف ثالث)، والإعلان العام لنتائج التقييم، واستخدام نتائج التقييم في عملية تخصيص الموارد للبحث والتطوير، وتعزيز وتفعيل أنظمة التقييم بتعيين كبار الباحثين في أقسام التقييم وإنشاء قاعدة بيانات لجميع عمليات التقييم في القطاع الحكومي- وفي هذا السياق يجب على كل وزارة إعداد الموجهات العملية لتقييم مشاريع الأبحاث والتطوير التي تحت مسؤوليتها.
يقوم مكتب مجلس الوزراء بمراجعة عملية تقييم الأبحاث والتطوير لكل وزارة- إضافة إلى التقييم المباشر لمشاريع الأبحاث والتطوير ذات الأهمية الوطنية- وتعمل وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية على تطوير مستمر لمبادئ وإجراءات التقييم.
3- وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة
تُعد وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة المسئولة عن ثاني أكبر ميزانية للأبحاث من البحث والتطوير الحكومي- وتعتبر المنظمة الجديدة لتنمية الطاقة والتقنية الصناعية هي الوسيلة الرئيسية للوزارة للتمويل التنافسي للمشاريع البحثية، والذي يركز على الأبحاث التطبيقية الصناعية- وتسهم وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة في دعم وتمويل أنشطة المعهد الوطني للعلوم والتقنية الصناعية المتقدمة.
4- التعليم العالي
تلعب الجامعات دوراً رئيسياً في حوالي (20%) من الأبحاث والتطوير التي يقوم بها القطاع العام، وتزيد الجامعات اليابانية عن نحو (649) جامعة منها(99) جامعة وطنية و (72) جامعة عامة (حكومات الولايات والمدن) و (478) جامعة خاصة.
يتركز البحث في أعضاء هيئة التدريس في الجامعات وكليات الدراسات العليا، ومعاهد الأبحاث التابعة للجامعات، ومعاهد الأبحاث الجامعية بين الجامعات.
كانت الجامعات اليابانية إلى وقت قريب متجانسة بدرجة كبيرة حيث أن جميع المؤسسات لها وضع متساوٍ لكونها مؤسسات للأبحاث والتدريس- ويتم تمويل الجامعات الوطنية بنفس الطرق وذلك بتمويل جامعي عام وكبير ومستقر نسبياً تعتمد فيه العملية البحثية على أعضاء هيئة التدريس وكراسي الأبحاث- ومنذ بداية التسعينات شجعت الحكومة الأبحاث الرئيسة من خلال زيادة الاستثمار وبشكل أكبر من خلال مشروع المنح التنافسية للأبحاث الفردية المستقلة.
اهتمت سياسة البحث والتطوير اليابانية لسنوات عدة بفكرة قيام الجامعات بأبحاث مكثفة لأنه كان يُنظر لنمط تمويل الجامعات في الماضي على أنه متساوي أي يتم توزيع حصص تمويل الأبحاث على الجامعات بالتساوي- إلا أن عملية التميز بين الجامعات هي السائدة الآن وذلك بإعادة تنظيم ودمج الجامعات الوطنية لتتحول إلى «هيئات الجامعات الوطنية» بتقديم الأساليب الإدارية على أسس مفاهيم القطاع الخاص- أي تطوير الجامعات ـ مراكز التفوق ـ التي تتماشى مع أعلى المقاييس الدولية، وتقديم الأسس التنافسية من خلال استخدام تقييم الطرف الثالث.
إن العنصر الأساسي الجديد للتمويل التنافسي الذي تم تصميمه لدعم الأبحاث المؤسسية هو برنامج القرن الجديد لمراكز التفوق والذي بدأ في أبريل 2002م- بهدف تطوير جامعات ذات مستوى عال ومنافسة دولياً يتم اختيارها بالتقييم النظير، وذلك من خلال تركيز الموارد حول المؤسسة وليس حول الباحثين الأفراد.
تبلغ الحصة المقرر استثمارها سنوياً وإنفاقها بين (10-20) جامعة في خمسة مجالات مختارة هذه المجالات تركزت في علم الحياة، الكيمياء وعلوم المادة، علم المعلومات، الهندسة الكهربائية، العلوم الإنسانية، وأبحاث متنوعة التخصصات.
يستمر تمويل برنامج القرن الجديد لمراكز التفوق لمدة خمس سنوات- وجميع الجامعات مؤهلة ويُعد استخدام التمويل من صلاحيات كل جامعة- وهكذا على سبيل المثال، يمكن استخدام التمويل في استضافة الباحثين البارزين، أو إقامة الندوات الدولية أو توفير المعدات.
5- مؤسسات الأبحاث الحكومية
توظف مؤسسات الأبحاث التابعة للحكومة المركزية والملحقة بعدد من الوزارات حوالي (16000) باحثاً منهم (70% من الباحثين) في معاهد البحث الوطنية ذات الأهداف المحددة، و(30 % من الباحثين) في الشركات العامة للأبحاث ذات الأهداف الخاصة والتي تعمل على نطاق واسع مثل معهد الأبحاث الفيزيائية والكيميائية والمعهد الياباني لأبحاث الطاقة النووية- تجري المختبرات الحكومية جزءاً صغيراً من مجمل الأبحاث والتطوير في اليابان إلا أن عدداً كبيراً منها يحظى بموقع هام وريادي- وهناك عدد من المختبرات تعمل بنطاق أوسع من الجامعات لكونها تملك معدات وتجهيزات بحثية كبيرة- كما يوجد لدى البعض منها قدرات ذات أهداف إستراتيجية، والبعض الآخر يعمل في حقول ذات أهمية اجتماعية ولكن ليس لها اهتمامات صناعية مثل المعهد الوطني لأبحاث علوم الأرض ومنع الكوارث.
يتم تشغيل بعض معاهد الأبحاث الحكومية من قبل الحكومات الإقليمية حيث يبلغ عدد الباحثين بها حوالي (15000) باحثاً يعمل ما يزيد عن نصفهم في الأبحاث الزراعية- وتخضع أغلب معاهد الأبحاث إلى عمليات إعادة تنظيم كبرى وذلك كجزء من عملية إعادة الهيكلة الشاملة التي تقوم بها الحكومة والتي أصبحت فعلاً أو على وشك أن تصبح معاهد إدارية مستقلة تهدف إلى تحقيق مرونة أكبر في مجالات عديدة من الإدارة والتمويل وخصوصاً فيما يتعلق بالعمل التضامني.
تركز سياسة العلوم اليابانية على تحقيق تضامن أكبر بين الجامعات وبين مؤسسات الأبحاث الحكومية- إضافة إلى تحقيق ذلك القدر من التضامن فيما بين الجامعات، والصناعة، ومؤسسات الأبحاث الحكومية جميعها.
6- الجمعية اليابانية لتطوير العلوم
الهدف الرئيس لها هو رفع مستوى العمل والتقدم به بشكل فاعل وذلك في نطاق واسع من المجالات ابتداء بالعلوم الإنسانية والاجتماعية حتى العلوم الطبيعية.
7- الشركة اليابانية للعلوم والتقنية
هدفها الرئيس هو تطوير العلوم والتقنية لكي يمكن استنبات البذور التقنية والصناعات الجديدة التي تدعمها التقنية الجديدة.
المحور الثاني:
تمويل أنشطة البحث والتطوير في اليابان
يقع التمويل المتوفر للبحث والتطوير في اليابان ضمن عدد من البرامج التنافسية المفتوحة لجميع الباحثين، ويتم تمويل البعض من هذه البرامج مباشرة من الوزارة- أما البعض الآخر فيتم تمويله من خلال الشبكة اليابانية للعلوم والتقنية أو من خلال الجمعية اليابانية لتطوير العلوم، ومن خلال البرامج المتعددة يعطي التوجه نحو التمويل التنافسي فرصة للباحثين الأفراد، وكذلك مجموعات الأبحاث (برامج الشركة اليابانية للعلوم والتقنية) والمؤسسات (الجامعات، ومراكز التفوق) الولوج إلى البرامج التي يتوقع بشكل كبير أن تحدث تغييراً أساسياً في آفاق الأبحاث، وهي البرامج التي يتم توجيهها نحو مؤسسات ومجموعات البحث العلمي حيث يتم توجيه الحصص المالية الكبيرة إليها على فترة زمنية أطول- وهناك عنصر آخر من عناصر سياسة التمويل في مرحلة التطور وهو التوازن بين تمويل الوزارات المباشر والتمويل عن طريق الأجهزة المتوسطة مثل الشبكة اليابانية للعلوم والتقنية، والجمعية اليابانية لتطوير العلوم.
يتركز دعم البحث والتطوير في اليابان على الحكومة المركزية، وفي الماضي لم يكن للمستوى الإقليمي للحكومة (حكومات الولايات والمدن) دور بارز في سياسة وتمويل الأبحاث، ولكن حالياً هناك مبادرات بارزة يتم اتخاذها من قبل حكومات الولايات، إضافة إلى أن الدعم والتطوير الذي تقدمه الحكومة المركزية من خلال وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية لتقوية الأبحاث الإقليمية ودعمها يشمل هذا المستوى من الحكومة الإقليمية.
تتكون هياكل وترتيبات التمويل من جهتين رئيسيتين لتمويل الأبحاث هما الجمعية اليابانية لتطوير العلوم، والشركة اليابانية للعلوم والتقنية- كما تُعد وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة المسئولة عن ثاني أكبر ميزانية للأبحاث بنسبة (16.9%) من البحث والتطوير الحكومي- وتتعهد وزارة الصحة والعمل والرعاية بتمويل منح أبحاث العلوم الصحية المفتوحة لجميع الباحثين حيث تقدر مساهمتها في هذا المجال بحوالي (3.6 %) من الأبحاث والتطوير الحكومي.
كما أن هناك وزارات أخرى تقدم حوافز كبيرة للأبحاث والتطوير وهي:
ـ وكالة الدفاع (4.1 %).
ـ وزارة الزراعة والغابات والأسماك (3.5 %).
ـ وزارة الأراضي والتجهيزات الأساسية والنقل (2.3 %).
أبرز الخصائص التي تتسم بها سياسة تمويل الأبحاث في اليابان هي توجيهه نحو ممارسات التمويل التنافسي وهي سياسة تطبقها جميع الوزارات- وكمؤشر تم مضاعفة الموارد المالية من (2.3) مليار دولار أمريكي في عام 2000 إلى (4.6) مليار دولار أمريكي في عام 2005م- وفي الغالب يبقى مستوى تمويل وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية الجامعي العام والتمويل الأساسي لمختبرات الأبحاث التابعة للوزارة مستقراً نسبياً.
من التغييرات التي تم طرحها لجميع اعتمادات التمويل التنافسي للأبحاث هو إضافة التكاليف غير المباشرة كنسبة ثابتة حالياً (30 %) مقابل تمويل الأبحاث (التكاليف المباشرة)، ويتم استخدام النسبة الثابتة لإدارة وتشغيل مؤسسات الأبحاث حيث يوجد التمويل التنافسي للأبحاث ومكافآت الباحثين- هذا التمويل غير المباشر هو عبارة عن اعتراف بالتكاليف العامة التي أتت عن طريق المؤسسات والتي يجب أن تساعد في تحسين أوضاع البحث والتطوير لكل من الباحثين ومؤسسات الأبحاث.
تدعم معايير السياسة الجديدة المتعلقة بمنح براءة الاختراع لنتائج الأبحاث في الجامعات ومعاهد الأبحاث الحكومية- إضافة إلى تطوير التعاون والتبادل في الأبحاث- وتتخذ بعض الجامعات آلية أخرى هي عبارة عن الاحتفاظ بحوالي (8 %) من التمويل الكلي للبحث الجامعي عن طريق السلطات المركزية وذلك بإنشاء سوق أبحاث داخلي للموارد المالية التنافسية- وذلك لتحسين قدرات البحث الكلية وتمويل الأبحاث وتطوير ثقافة تنظيمية وإدارية للأبحاث الداخلية.
تتولى وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية مسؤولية تنظيم النفقات الحكومية للبحث والتطوير، وتوفير التمويل المؤسسي للجامعات- وكذلك دعم عدد من برامج تمويل الأبحاث المفتوحة للباحثين في الجامعات والمعاهد الحكومية وقطاع الصناعة- في حين يتولى مجلس سياسة العلوم والتقنية مهام تقييم أنشطة البحث والتطوير (RالجزيرةD) من خلال استخدام معايير موضوعية، واستغلال نتائج التقييم في ترشيد عمليات تخصيص الموارد بحيث تتولى كل وزارة إعداد «الموجهات العملية» لتقييم أبحاثها، وذلك في إطار أولويات بحثية محددة.
في المملكة تتولى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية جهود دعم وتمويل البحوث العلمية للجهات الحكومية والخاصة والأفراد، وذلك في إطار برامج تقييم المشروعات البحثية وفقاً لأولويات بحثية محددة أوضحتها السياسة الوطنية للعلوم والتقنية- إلا أن المملكة تفتقر لوجود نظام محدد لتقييم مخرجات تلك البحوث ومدى الاستفادة منها في العملية التنموية لمختلف قطاعات المجتمع.
تشير التجربة اليابانية إلى توفر مؤسسات تمويل وسيطة تسهم في توجيه الأموال اللازمة للأبحاث والتطوير دون أن تقوم بإعداد هذه الأبحاث- وفي المملكة يُفتقد وجود مثل تلك المؤسسات، ويترك للجهات الحكومية والخاصة تدبير الموارد التمويلية لأنشطة البحث والتطوير من ميزانياتها الخاصة في أغلب الأحوال.
تستحوذ «وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية» في اليابان على ما نسبته (65%) من النفقات الحكومية للبحث والتطوير، ويتم تدبير النسبة المتبقية من قبل الجهات الخاصة وبعض الجهات الحكومية ذات العلاقة- وهذا يتفق نوعاً ما مع ما تقوم به مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من استحواذها على غالبية الدعم المالي من الميزانية السنوية للدولة وهي بدورها توجه هذا الدعم للأنشطة البحثية التي تراها محققة لبرامج التنمية الطموحة.
تفتقر سياسة البحث العلمي في المملكة لدور واضح للمناطق الإدارية في أنشطة البحث والتطوير ويترك ذلك في الأجهزة المركزية في العاصمة- وغالباً يتم توجيه الدعم نحو مشروعات بحثية في محاور التنمية الإقليمية الرئيسة في الرياض أو جدة أو الدمام، مما يعزز التباين بين مناطق المملكة في دعم أنشطة البحث العلمي.
استطاعت اليابان أن تستجيب بديناميكية لكارثة المفاعل النووي من خلال الخطط السلوكية المرنة التي تتفاعل مع المتغيرات الطارئة والدخيلة بسرعة فائقة اصلت لها مراكز التميز البحثي بتهيئة قطاعات التنمية المختلفة للتفاعل مع التحديات مهما كانت جسامتها-
يُشكل البحث العلمي والتطوير التقني الخلفية المشتركة وراء التحولات الاقتصادية متناهية السرعة التي ولدت فرص اقتصادية تنبثق عنها فرص اخرى وفرص بديلة، وتتنافس الدول في الاستحواذ على هذه المقومات.
يبدو أن الدول الصناعية تنظر للبحث العلمي والتطوير التقني كأدوات استراتيجية جوهرية تسهم في البناء وتحقق النماء والرفاه الاقتصادي والاجتماعي الذي يضمن مزيد من الاستقرار والتنمية.
التحول من الاقتصاد التقليدي الذي يعتمد على الريع العائد من منتج محدد قد يكون مهدد بالنضوب إلى اقتصاد المعرفة الذي يولد الفرص والفرص البديلة بمنهجية تلقائية تنطلق من التحول من التخطيط متوسط الأجل - الخطط الخمسية - إلى التخطيط السلوكي الذي يستجيب للتغيرات المفاجئة بشكل سريع يحاكي التحديات الآنية، والاستثمار في البحث والتطوير بتفعيل نظم الحوافز لتشجيع القطاع الخاص - الذي لا زال دوره محدوداً في تحفيز أنشطة البحث العلمي - على تمويل أنشطة البحث والتطوير، وتوجيه مؤسسات الإقراض المتخصصة بالمملكة - وبصفة خاصة كل من صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الصناعية - بدراسة جدوى إنشاء ما يسمى «صناديق رأس المال المغامر» بمشاركة فاعلة في رأس المال والإدارة من قبل المؤسسات الصناعية الكبرى بالقطاع الخاص، وذلك لتحقيق هدف مزدوج يتمثل في تمويل الأبحاث والتطوير (RالجزيرةD) بما يلاءم الاحتياجات الفعلية للقطاعات الإنتاجية والخدمية، وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني بميزة تنافسية في منظومة الاقتصاد العالمي تتشكل في الاقتصاد المعرفي والمعلوماتي، لتحقيق ابعاد التنمية الوطنية الشاملة وضمان نظام أمني ودفاعي واق يحقق معطيات التنمية المستدامة ويتحقق بها في ظل ما تنشده القيادة السعودية المتطورة من مجلس الشئون السياسية والأمنية ومجلس الشئون الاقتصادية والتنمية بالنهوض بأعباء الرفاه الاجتماعي والاقتصادي برؤية القيادات الشابة التي انطلقت ترسم ملامح السياسات والبرامج بمنهجية عصرية تحاكي تطلعات القيادة والوطن والمواطن الذي تتجه تطلعاته إلى إدخال مراكز التميز البحثي، ومراكز التفكير الاستراتيجي عنصر اساس في صناعة القرار السعودي.