د. حسن بن فهد الهويمل
ليس من باب الرجم بالغيب أن يتصور البعض أنني بهذا العنوان أقلل من الخطر الصهيوني.
ولا يعد من إبعاد النجعة الظن بأنني أذعن للأمر الواقع، وأسلم له، وأطوي صفحة الخلاف مع العدو التقليدي.
فالتقليل، والإذعان يشرعن لهما القول بأن إسرائيل ليست الهدف الأهم في الشأن العربي.
لا بأس بهذا الظن، وإن خالف ما أريد. المهم أن تبلغ رسالتي من يقعر الرؤية في مضرب سهم واحد، فيما تتكسر النصال على النصال، في الجسم العربي المثخن بالجراح الغائرة.
ومع هذا فإسرائيل بكل مواجهاتنا لها في الحروب الساخنة، والباردة ترفع رصيد اليأس، والإحباط، والقنوط، وتعمق الألم، والمرارة.
وإذ تكون العدو الأول في ذاكرة السبعينيين أمثالي، فإن ترتيبها يعود إلى الرابع، أو الخامس في قائمة أعداء اليوم، في ذاكرتنا المتخمة بالأعداء، المثخنة بالجراح.
هي عدو لدود، لا أحد يزايد على ذلك، ولكن في الفخ أعداء ألداء أكبر منها، وأشد خطراً، وأسوأ أثراً.
ومعاذ الله أن استدرج المتلقي للقبول بوجودها، أو التصالح معها.
وعفى الله عن الشاعر البائس [أمل دنقل] حين خاطب [السادات] وهو ينتهب الخطى، للاعتراف بـ[إسرائيل] في منتجع [إيزنهاور] الذي سماه باسم ابنه [ديفيد]. وتعاقب على قضاء العطل الأسبوعية فيه رؤساء [الولايات المتحدة].
وفيه وُقِّعت عشرات الاتفاقيات، التي لم تَرْقَ في خطورتها إلى اتفاقية السلام التي رَعَتْها وباركتها [الولايات المتحدة الأمريكية] يقول دنقل:-
[لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
... لا تصالح
ولو قال من قال عند الصدام:-
[ما بنا طاقة لامتشاق الحسام].
... لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
... لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
... لا تصالح
ولو حذرتك النجوم
ورمى لك كُهَّانُها بالنبأ
... لا تصالح..
إلى أن يعود الوجود لدَوْرته الدائرة].
إنني أَشَدَّ رفضاً للصلح مع إسرائيل من الشاعر البائس المشرد [أمل دنقل]. غير أنني لا أريد أن يكون عداؤنا المعتق لها خدراً ينساب في مفاصلنا، فيلهينا عن كل مصيبة فادحة، عقابيلُها أشدُّ خطراً من الخنجر الصهيوني في خاصرتنا.
نحن أمام أعداء جدد، لا نَقْدِرُ على فك طلاسمهم، ولا على ترتيب أشيائنا لمواجهتهم.
[إسرائيل] عدو نعرف شيئاً من دخائله. ونلم ببعض خططه. ونملك الكر، والفر معه.
يثيره العسكر الانقلابيون لهدف، فيضربنا حتى نئن، ويقضي العسكر الخائبون أوطاراً دنيئة في التَّماس معه.
وكل من أراد أن يفك اختناقات ما كسبت يداه، تحرش بإسرائيل، وليس مهما عنده أن تمطر شعبه الأعزل بوابل من الرصاص، والقنابل، وتهدم البيوت على ساكنيها الأبرياء العزل.
اليوم تلتف أفاعي المجوس على الأعناق، وتنبعث اللعبُ القذرة بأيدي الشيعة العرب المغرر بهم، لتهدم البيوت على الشيوخ الركع، والأطفال الرضع، وتدمر كل شيء أتت عليه. ولا أحد يستطيع أن يقول كلمة الحق لصناع الفتن، وممولي شذاذ الآفاق، الذين استزلهم الشيطان، فخرجوا على الشرعية، واتشحوا برداء الإسلام، واستعذبوا القتل الهمجي، والتدمير الوحشي. فيما يأوي العدو الحقيقي إلى جبل يعصمه من الفتن.
وكلما أوغل الأخسرون أعمالاً في حمامات الدم، توسلوا بالمنجمين، وتهافتوا على مفسري الأحلام، ووعدوا بما لم يأت، ولن يأتي، وأخافوا الناس من الوجود الصهيوني.
علما أن الصهيونية لا تمارس الهمجية التي يمارسونها، ولا الحقد الذي يتشحون به، ولا تتشفى بالقتل، والتدمير بمثل ما هم عليه.
لكل هذا أقول إن جرجرة العداء التقليدي لإسرائيل للمخادعة، والتضليل، لا تغني من الحق شيئاً.
وكيف يتأتي الاشتغال بالاحتلال الصهيوني، وأصحاب القضية يعترفون به، ويمارسون معه علاقات المدارات، والمجاملة، وتكرير اللقاءات الفارغة من كل هدف.
وكيف يَصْدُق المزيِّفون للرأي العام و[مصر] عيبة الأمة، وعمقها البشري تعترف بالكيان الصهيوني، وتتبادل معه التمثيل [الدبلوماسي].
وآخرون هنا وهناك، يوادُّونه، ويتبادلون معه السياسة، والتجارة. وكل هذه حقائق، كالشمس في رابعة النهار.
فيما يعاب على [المملكة العربية السعودية] وجود سياسي إسرائيلي في تجمع يحضره مسؤول سعودي، مع أنه لم يُجْرِ معه لقاء، ولم يقترف معه خطيئة المحادثة.
ولما تزل المملكة ملتزمة بعدم الاعتراف. ولما تزل المملكة ملتزمة بالدعم السخي للشعب الفلسطيني. ولما تزل المملكة مظنة الاتهام من أشباه الرجال.
لكل هذا أقول صادقاً مع نفسي، غير مخادع، أو مضلل: إن إسرائيل لم تكن القضية الأهم. ولا سيما أن المملكة تعيش حرباً ضارية ضد الأطماع [الصفوية]، وضد المنظمات الإرهابية، وضد الفوضى، والفراغات الدستورية.