من شرارة صغيرة حين يتم تجاهلها بدءاً، أو جاء التعامل معها متأخراً وباهتمام أقل مما تستحق، فإنَّ اشتعال الحريق المدمر عندئذ سوف يكبر ويمتد إلى مساحات شاسعة، في طريقه ليقضي على الأخضر واليابس، مواصلاً إنجاز ما يُسمى الأرض المحروقة، يساعده على ذلك ويدفع به نحو المزيد من الحرائق كل ما هو متاح له من العواصف والرياح والمواد القابلة للاشتعال، دون أن تكون هناك من جدوى لأي جهد يبذل للسيطرة على هذا الحريق الذي كان ممكناً لو كانت التقديرات المسبقة في حجم التداعيات والنتائج الخطيرة اللاحقة.
***
مثل هذا الحريق الذي بدأ بشرارة صغيرة ثم لامس كل شيء ثم كبر، هناك الإرهاب بأشكاله وأنواعه ومكوناته وتنظيماته الذي يضرب بقوة في عالمنا العربي، ليخرب البنيان ويدمر المدن ويقضي على البشر، دون أن يوفر إِنساناً أو حجراً يقاومه أو يقف في طريقه، أو حين يكون هناك من يحاول الوقوف دون تحقيق هذا الإرهاب اللعين لأهدافه، غير آبهة الدول المتضررة بما سيؤول إليه الوضع لاحقاً من نتائج مؤلمة بعد كل هذا الجحيم، حيث تدفع دولنا العربية ثمناً باهظاً بسبب تأخرها في الرد، وعدم تقديرها لخطورة ما يجري مبكراً، وغياب التنسيق فيما بينها لمواجهة هذا المد العدواني الشرس الذي يفعله الإرهابيون.
***
الإرهاب أخذ الصفة العالمية، ووسائل الإعلام لا همَّ لها الآن غير تتبع نشاطات الإرهابيين، ونقل خطواتهم ومخططاتهم بالصوت والصورة، وكأن هذه التنظيمات لا يوجد من رادع لعبثها وممارساتها، تسرح وتمرح من دولة إلى أخرى، في تحد سافر لكل دول العالم، بما في ذلك كبيرتهم الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن يكون هذا الأمر لا يثير حفيظة أمريكا، ولا يعنيها، أو أن لها أجندة في تعاملها معه، وهي لهذا تتدخل على استحياء لإرضاء دولنا أحياناً، وتغيب أحياناً أخرى عن موقع الصراع، بينما هي تفكر - ربما - بشكل مختلف عما نفكر فيه.
***
التعامل مع هذه التنظيمات الخارجة على القانون، لا يقتصر على ظاهرة التأخر في مواجهتها فحسب، فهناك ما هو أخطر من ذلك بكثير، وأعني به هذه الانتقائية من قِبل الدول الكبرى في التعامل بين تنظيم إرهابي وآخر، في تصرف لا يمكن فهمه أو استيعاب أسبابه، فتحديد خطورة تنظيم إرهابي كتنظيم داعش وأسلوب التعامل معه شيء، فيما أن ما يجب أن يكون عليه الموقف من الإرهابيين الحوثيين شيء آخر، ومثل ذلك أيضاً تجاهل ما يمثله حزب الله الإرهابي في لبنان من خطورة على استقرار لبنان وامتداداً على الوضع في المنطقة بكاملها، بخلاف الموقف من تنظيم النصرة الإرهابي حيث يتم حسم الموقف معه عسكرياً.
***
كل التنظيمات الإرهابية بما فيها تنظيم الإخوان المسلمين تستحق أن تواجه بالقوة والحسم والحزم عسكرياً لإجبارها على التوقف عن هذا السلوك العدواني المخرب، ومثلها الدول الداعمة له كإيران، حيث تتواجد في سوريا والعراق وتدعم الحوثيين في اليمن وتشجع على الفوضى في البحرين، أو تلك التي يُقتل فيها المواطنون في سوريا بأسلحة بشار الأسد ونظامه المجرم، وأي تنظيمات أو دول أخرى مماثلة يتبيّن أنها ممولة للإرهاب، أو حاضنة له، فهي الأخرى إرهابية، ولا ينبغي أن يُغضَ الطرف عن ممارساتها.
***
ولهذا فإنَّ تعقُّب المجرمين والإرهابيين من داعش إلى النصرة، ومن حزب الله إلى القاعدة، ومن الحوثيين إلى الإخوان المسلمين، ومن إيران إلى نظام الأسد وغيرها، ممن هم إرهابيين أو مصدرين وداعمين للإرهابيين، لم يعد من اليوم يحتمل المزيد من الانتظار أو الاسترخاء أو الاكتفاء بالحلول الدبلوماسية، فما من نصيحة قبلت، أو قول سديد أحترم، أو تفاهمات أعطت ولو فسحة من الأمل لتطويق هذا الخطر الإرهابي الداهم، وصولاً إلى تحقيق معالجة ناجحة لهذا التمدد السريع والقاتل لمظاهر الإرهاب، والحد من غزو المنظمات الإرهابية الممنهج لعقول شبابنا بتوجيههم نحو أتون حروب مدمرة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
***
هناك أولويات لدول مجلس التعاون تحديداً في مكافحة الإرهاب، أهمها ما يتصل بمصالحها، ما هو أقرب إلى التأثير في أمنها واستقرارها، وبينها أيضاً الموقف من تلك القوى الشريرة التي تعلن عداءها لنا من دول ومنظمات، ودون أن ننسى أن تأمين حدود دولنا الخليجية يتطلب الاستعداد والجاهزية بالكفاءات العسكرية عالية التدريب، المجهزة براً وبحراً وجواً بأحدث وأفضل أنواع الأسلحة القادرة على هزيمة العدو حيثما كان، واصطفاف دول الخليج وتواصل اجتماعاتهم بالرياض، إنما يمثل طمأنة مواطني هذه الدول على أن قواتنا العسكرية في كامل جاهزيتها للدفاع عن شرف الوطن.