فضل بن سعد البوعينين
جاءت جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، حافلة بقرارات مهمة ذات أبعاد تنظيمية تنموية هادفة. يبدو أن خطط «إعادة الهيكلة» ماضية في طريقها الصحيح؛ وأحسب أن «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» بات محور التغيير ومركز التفكير الإستراتيجي.
استأثرت موافقة المجلس على توصية رسوم الأراضي البيضاء؛ باهتمام الإعلام والمواطنين؛ دون القرارات الأخرى؛ لسببين رئيسيين؛ الأول أهميته في معالجة أكثر الأزمات المؤثرة في معيشة المواطنين؛ والثاني إحياؤه بعد أن أوشك على الضياع في دهاليز البيروقراطية؛ والمجالس الاستشارية.
عَكَسَت توصية رسوم الأراضي البيضاء بعض ما جاء في «خطاب الملك» الذي تعهد فيه الملك سلمان بن عبدالعزيز بإيجاد حلول عملية لمعالجة أزمة الإسكان. انتشار الأراضي البيضاء داخل المدن؛ في وقت يعاني فيه المواطن من شحها وتضخم أسعارها فرض على الحكومة اتخاذ قرارات حاسمة لتحويل تلك الأراضي البيضاء إلى وحدات سكنية؛ أو بيعها لمن يرغب في استثمارها. إصدار صندوق التنمية العقارية قرارًا استباقيًا يسمح بتقديم القروض الاستثمارية جاء متناغمًا مع توصية رسوم الأراضي؛ ومعالجًا لمعوقات الملاءة المالية التي قد لا تتوفر لدى بعض ملاك الأراضي الشاسعة. الشراكة المتوقعة بين وزارة الإسكان؛ والصناديق الحكومية؛ وبين ملاك الأراضي الكبيرة سيزيد من بدائل التمويل المتاحة.
أحسب أن توصية رسوم الأراضي ستُلزم الحكومة لمواجهة بيروقراطية وزارة الشؤون البلدية؛ وأماناتها وبلدياتها؛ والوزارات المعنية الأخرى في تعاملها مع مشروعات التطوير الكبرى؛ حماية للملاك. يُعزى تخلف القطاع العقاري السعودي مقارنة بدول الخليج؛ للرؤية التنفيذية التقليدية المعرقلة لمشروعات التطوير الحديثة؛ وهي رؤية يجب إعادة النظر فيها ومعالجتها سريعًا.
أجزم بأن هدف «توصية الرسوم» هو إصلاح خلل القطاع العقاري؛ وتطويره؛ وتحويله إلى قطاع منتج؛ يعتمد الاستثمار وإعمار الأرض وتنمية الوطن ركيزة له. يتعامل ولي الأمر مع مواطنيه؛ بفئاتهم المختلفة؛ كتعامل الأب مع أبنائه. قد يدعم أحدهم لضعفه؛ إلا أنه لن يضر الآخر لملاءته المالية، بل يُحفزه لأن يكون من أدوات الدعم لأخوانه وأسرته؛ فملاءته المالية تشكل سور الحماية للأسرة؛ ومصدر الدعم والبناء والتنمية لأخوانه الضعفاء. الأسرة هي الوطن؛ والأب هو ولي الأمر؛ والإخوة هم المواطنون بفئاتهم وتخصصاتهم وقطاعاتهم المختلفة. لذا يفترض أن يُنظر إلى «توصية الرسوم على الأراضي البيضاء» من منظور الإصلاح والتطوير؛ ومعالجة أزمة الأراضي البيضاء التي تحولت إلى مستودع للثروات بدلاً عن كونها من أدوات التنمية والاستثمار والبناء. التعامل الإعلامي المتزن مع القرارات الإيجابية غير التقليدية مدعاة لقبولها من الجميع حتى أولئك الذين قد يعتقدون أنهم المعنيون بتحمل تبعاتها.
أعود لقرارات إعادة الهيكلة المباركة؛ وفي مقدمها إعادة ترتيب الأجهزة التي تشرف عليها وزارة المالية؛ أو ترتبط بها تنظيميًا؛ وربطها بالوزارة المختصة؛ وبخاصة الأنشطة الاقتصادية التي سيتم تحويلها إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط؛ إضافة إلى تحويل الصناديق التنموية والاستثمارية المتخصصة للوزارات المختصة.
ربط البنك السعودي للتسليف والإدخار بوزارة الشؤون الاجتماعية، هو الخيار الأمثل لطبيعة عمل البنك المجتمعي؛ بل إن انخراط بنك التسليف في قروض المنشآت الصغيرة؛ تقحمه في مجالات تخصصية قد تفوق قدراته؛ لذا أعتقد أن تركيزه على القروض المجتمعية؛ ومن بينها مشروعات الأسر المنتجة؛ والقروض الأخرى هو الأصح.
أما صندوق التنمية الصناعية فقد أسند إلى الجهة التي كان من المفترض أن تشرف عليه منذ البداية وهي وزارة التجارة والصناعة. الأمر عينه ينطبق على صندوق التنمية الزراعية المرتبط مهنيًا بوزارة الزراعة. فصل صندوق الاستثمارات العامة؛ عن وزارة المالية مدعاة لتحقيق معايير الحوكمة والرقابة ذات العلاقة بفصل الصلاحيات بين إدارة الخزينة والاستثمارات الحكومية. تخلص وزارة المالية مع أعباء تلك الصناديق التنموية سيساعدها في التركيز بشكل أكبر على اختصاصاتها المالية؛ ما سيسهم في تحقيق كفاءة العمل وجودة المخرجات.
ربط الأجهزة المالية بالجهات المختصة يهدف إلى تحقيق الكفاءة؛ ودعم الوزارات المعنية بتحقيق أهدافها؛ وإعادة تشكيل المنظومة المالية الهادفة لخدمة الاقتصاد؛ وإيجاد منظومة مالية متكاملة قائمة على الاستقلالية التامة وخاضعة لرئاسة الوزراء؛ كل في وزارته؛ ويمهد بشكل جلي لوضع خريطة طريق تنموية داعمة للاقتصاد الوطني.