د.محمد الشويعر
الحمد لله الذي جعل الأولاد قرة للعيون وزينة للحياة الدنيا، والصلاة والسلام على خير معلم للبشرية وأرأف والد بولده الذي أنزل الله عليه {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ }, وعلى آله وصحابته, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد:
فإن فاطمة رضي الله عنها كريمة الحسب والنسب من جهة الأب والأم, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها ويسير إليها, تحدث عنها الذهبي بصفات عديدة فقال: سيدة نساء العالمين في زمانها البضعة النبوية والجهة المصطفوية, أم أبيها، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله, وأم الحسنين, مولدها قبل المبعث بقليل, وتزوجها الإمام علي بن أبي طالب في ذي القعدة، أو قبيله، من سنة اثنتين بعد وقعة بدر, وقال ابن عبد البر: دخل بها بعد وقعة أحد، فولدت له الحسن، والحسين، ومحسنا، وأم كلثوم، وزينب, وروت عن: أبيها, وروى عنها: ابنها الحسين، وعائشة، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وغيرهم, وما تزوج عليها علي في حياتها ولا تسرى, فلما توفيت تزوج وتسرى رضي الله عنهما. (سير أعلام النبلاء 2: 119).
وكانت ولادتها قبل البعثة بخمس سنوات وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس وثلاثون سنة, في العام الذي كانت قريش فيه تبني الكعبة, حيث رضوا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يسمونه الأمين في وضع الحجر الأسود.
أما عمرها عند الوفاة ومدة مكثها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعمرها عندما دخل بها علي رضي الله عنه فقد اختلف فيه, كما اختلف في أولية الولادة بينها وبين أخواتها وهل كانت زينب هي الصغرى أم لا؟.. والذي رجحه الذهبي أنها عاشت تسعا وعشرين سنة, وتوفيت بعد النبي بخمسة أشهر، فابن الأثير يرى أنها وأم كلثوم أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن عمرها عندما تزوجها علي خمس عشرة سنة وخمسة أشهر, وتوفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر, وعمر رضا كحالة يرى أنها أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهن, وأن علياً تزوجها بعدما ابتـني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر, وكان علي حينها عمره إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر. (أعلام النساء 4: 108).
وفي خطبتها قال ابن سعد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي لك يا علي لست بدجال، يعني لست بكذاب. وذلك أنه قد كان وعد عليا بها قبل أن يخطب إليه أبو بكر وعمر... وفي رواية قال: عمر: أنت لها يا علي, فقال علي: ما لي من شيء إلا درعي أرهنها فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة, فلما بلغ ذلك فاطمة بكت, ثم دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها ما لكِ تبكين يا فاطمة؟ فو الله لقد أنكحتك أكثرهم علماً, وأفضلهم حلماً, وأولهم سلماً.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بإناء فتوضأ فيه, ثم أفرغه على علي, ثم قال: اللهم بارك فيهما, وبارك عليهما, وبارك لهما في نسلهما (الطبقات 8: 223).
وقد أورد مؤلف كتاب كنز العمال أحاديث كثيرة في فضل فاطمة رضي الله عنها ومكانتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم, حيث رُوي عن عائشة قالت: قلت لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيتك حين أكببت على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فبكيت ثم أكببت عليه ثانية فضحكت! قالت: أكببت عليه فأخبرني أنه ميت فبكيت، ثم أكببت عليه الثانية فأخبرني أني أول أهله لحوقا به وأني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم ابنة عمران فضحكت.
كما قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقبل عُرف فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. (كنز العمال 13: 675).
ولما جاء وفد نصارى نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان عددهم ستين رجلا, وحاجّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى, أنزل الله آيات في سورة آل عمران, منها قوله تعالى:
{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (61 سورة آل عمران), أقبل صلى الله عليه وسلم مشتملاً على الحسن والحسين في خيل له, وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة, وله يومئذ عدة نسوة, فقال شرحبيل لصاحبه كلاما منه:
والله لئن كان هذا الرجل نبيا فلاعناه لا يبقى منا على وجه الأرض شعر ولا ظفر إلا هلك.(تفسير ابن كثير 1: 370).
وروت أم سلمة رضي الله عنها في دلالة قول الله تعالى:
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (33 سورة الأحزاب), قالت: نزلت في بيتي, وأنا جالسة عند الباب, فقلت: يا رسول الله ألستُ من أهل البيت؟ فقال: إنكِ إلى خير, أنت من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعلي وفاطمة, وحسن وحسين فجللّهم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي, فأذهب عنهم الرجس, وطهرهم تطهيراً. رواه الترمذي.
وكانت عالمة فقيهة, من نابهات النساء, وإحدى الفصيحات العاقلات, روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر حديثاً, وقد وجدت على والدها عندما انتقل إلى الرفيق الأعلى وجداً عظيماً, وقالت: يا أبتاه أجاب رباه دعاه, يا أبتاه أجاب رباه دعاه, يا أبتاه جنة الفردوس مأواه. (سير أعلام النبلاء 2: 120).
وجاءت سيرتها في أكثر من ثلاثين مصدراً ونسب إليها من بعض الفِرق المنتمية للإسلام أمور لم تصح كما نوه إلى ذلك ابن أبي الحديد وغيره.
وللسيوطي: كتاب باسم الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة في 53 ورقة, ولعمر أبي النصر: فاطمة ابنت محمد, مطبوع, ولأبي الحسين الرندي النجفي مع النورين مطبوع في سيرتها ومناقبها. (الأعلام 5: 329).
وهي أول من جعل له النعش في الإسلام, قال ابن الأثير: لما حضرتها الموت، قالت لأسماء بنت عميس: يا أسماء، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها.
قالت أسماء: يا ابنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي، ولا تدخلي عليّ أحداً, فلما توفيت جاءت عائشة، فمنعتها أسماء، فشكتها عائشة إلى أبي بكر، وقالت: هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فوقف أبو بكر على الباب، وقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدخلن على بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد صنعت لها هودجا؟ ! قالت: هي أمرتني ألا يدخل عليها أحد، وأمرتني أن أصنع لها ذلك. قال: فاصنعي ما أمرتك, وغسّلها علي وأسماء. (أسد الغابة 7: 226).
وقد استشهد ابن قدامة بها في المسائل الفقهية بما يزيد على ثلاثين حالة, مما ينبئ عن مكانتها رضي الله عنها مع أنها توفيت ولما تبلغ الثلاثين من عمرها.
فقد كره بعض الفقهاء عظام الفيلة, لكن رخص في الانتفاع بها محمد بن سيرين وغيره لما روى أبو داود عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اشترى لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج», وفي القاموس هو «جلد السلحفاة البحرية أو البرية» أو عظام ظهر دابة تتخذ منها الأسورة والأمشاط. (المغني 1: 98).
وفي دخول المسجد والخروج منه روي عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى وقال: «رب اغفر لي ذنوبي, وافتح لي أبواب فضلك», رواه الترمذي في باب ما يقول عند دخول المسجد. (العمدة 2: 118).