د.عبد الرحمن الحبيب
ماذا تصنع إذا كان هناك مليشيا خارجة على قانون دولتها وعلى الشرعية الدولية، ولها سياسة عدوانية تجاهك، مهددة حدودك الجنوبية ومتوعدة باستخدام صواريخ بالستية مثل سكود؟
ليس هذا فحسب، بل إنها تتحرك بأوامر خصم آخر عدواني يبعد آلاف الأميال عن اليمن ويصَدِّر الاضطرابات العدوانية لتخفيف متاعبه الداخلية، مهدداً حدودك الشمالية!؟
ماذا تفعل إذا رفضت هذه المليشيا مخرجات الحوار الوطني في بلادها، ورفضت كل المبادرات السلمية الإقليمية خاصة الخليجية، واستمرت في التمادي والتوسع العدواني، بينما القيادة الشرعية في اليمن تستنجد بك؟ القرار الحازم الحكيم هو أن ترد على هذه الاعتداءات كحملة استباقية؛ وهذا ما اتخذته القيادة السعودية.. إنها حرب وقائية ضرورية، ومن ثم فهي عادلة..
السعودية معروفة بسياستها الخارجية الهادئة، وخطاب الملك سلمان قبل ثلاثة أسابيع أكد هذه السياسة وتنقية الأجواء. ذلك لا يعني أنها ليست حازمة، ومن هنا يأتي عنوان المعركة «عاصفة الحزم».. كإجابة لمن تفاجأ بالحملة الجوية السعودية. المفاجأة أو المباغتة جزء أساسي من نجاح التخطيط التكتيكي لبدء الهجوم العسكري، أما من الناحية السياسية فلها أسبابها العادلة إذا أخذنا في الاعتبار المقولة المشهورة «الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى» للمنظر العسكري كلاوزفيتز.. أي إذا فشلت السياسة والحلول السلمية.
القرار السعودي الحازم لم يكن قراراً منفرداً، بل معه غالبية المجتمع الدولي، فهو جزء من تحالف إقليمي ودولي ومتوافق مع الشرعية والقانون الدولي، فقد سبق لمجلس الأمن أن أدان عنف جماعة الحوثي وممارساته ضد السلطة الشرعية. وبعد بداية عاصفة الحزم أكد الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي أن هذه العملية العسكرية تستند إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك، وإلى قوانين ومبادئ الجامعة العربية. وإذا استثنينا من وقع تحت النفوذ الإيراني، فإن كل العالم العربي يقف مع السعودية مباشرة أو ضمنياً، ففي ذلك توحيد للصف العربي وليس فُرقة..
تأتي عاصفة الحزم لإنقاذ اليمن من حرب طائفية تشعلها جماعة لصالح إيران، أو كما قال وزير خارجية اليمن رياض ياسين يوم الجمعة الماضي لرويترز: «الحوار كان مطلوباً ولا يزال. وهو الحوار الذي يكون تحت ظل شرعية الرئيس وشرعية الدولة، وليس شرعية الانقلابات والميليشيات التي تسيطر على مقدرات الدولة، والتي تستبيح كل شيء من أجل أن تسلم اليمن إلى إيران»؛ فضلاً عن أن الرئيس اليمني نفسه عبر بأن «عاصفة الحزم تنقذ بلادنا من الهيمنة الإيرانية والانقلاب الحوثي».. فالسلطة الشرعية في اليمن تقف مع الحملة السعودية، بل سبق أن طالبت ومعها كتاب وصحفيون يمنيون بتدخل عسكري خليجي ودولي لحماية الشرعية في اليمن.. فهناك تأييد داخلي سعودي ويمني واسع لقيام السعودية وحلفائها بهذا الواجب..
التصدي للمليشيات الخارجة عن شرعية الدولة اليمنية، هو تصدي للإرهاب ككل وليس طائفياً، فالسعودية لا تستهدف إرهاب هذه المليشيا فقط بل وإرهاب القاعدة وداعش في اليمن والعراق وسوريا. لذا لم يكن مستغرباً أن داعش استنكرت عاصفة الحزم، وليس مستغرباً أن شعارات الحوثيين لا تختلف عن شعارات داعش والقاعدة والنظام الإيراني من حيث إنها خارجة على شرعية المجتمع الدولي..
لذا، ومن المفارقة، أنه حتى في بعض البلدان القليلة التي لا تؤيد أنظمتها التحالف الدولي الذي تقوده السعودية في عاصفة الحزم تجد أن الغالبية تؤيده. خذ مثلاً التصويت الذي قام به موقع «روسيا اليوم» وروسيا غير مؤيدة لعاصفة الحزم، ففي تصويت للرأي بعنوان: هل تؤيد عملية عاصفة الحزم في اليمن؟ كانت النتيجة حتى كتابة هذه السطور هي: 53% نعم، 45% لا، 2% لا أدري، مع الأخذ في الاعتبار المثل الروسي: «ليس مهماً من يصوت، المهم من يجمع الأصوات»..
والآن، ماذا ستُنتج عاصفة الحزم؟ المحلل الأمريكي العقيد الأمريكي المتقاعد، ريك فرانكونا، محلل الشؤون العسكرية يرى أن حجم القوات السعودية المشاركة بالعملية في اليمن يدل على تحرك عسكري واسع وطويل، متوقعاً أن تتمكن الرياض من التعامل مع أخطاء الحوثيين وداعش والقاعدة، ورأى أن المملكة لا يمكن أن تقبل تمدد إيران على حدودها الجنوبية كما يحدث بحدودها الشمالية.
أما المحلل البريطاني المختص بشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيرست فيرى أن إيران كبدت نفسها الهزيمة في اليمن بسبب تمدد الحرس الثوري الإيراني أكبر مما يحتمل وكذلك تمدد الحوثيين أكثر مما توقعوا هم أنفسهم.. وحسبة كل منهما كانت حسبة خاطئة جداً، حين كانوا متأكدين من عدم تدخل السعودية رغم أنهما تعديا الخطوط الحمراء حتى أن مصادر تقول إن «حزب الله» اللبناني «لا يخفي قدراً كبيراً من القلق» بشأن هذا التوسع غير المحسوب، وإن كان يبدي السعادة الظاهرية لوسائل الإعلام، وفقاً لهيرست.
رغم أنه من المبكر تحديد نتائج عاصفة الحزم، إلا أن ثمة مخرجات متوقعة وأخرى مأمولة وثالثة تأثيرية. المتوقع -بمشيئة الله- هو تحسن مواقع السلطة الشرعية في اليمن لإدارة الخلافات سلمياً، وخسارة المشروع الإيراني في اليمن كبداية لتراجعه في المنطقة العربية وتهديده لأمنها.
والمأمول أن يعي العقلاء في إيران حجم دولتهم ويركزوا على التنمية في بلدهم، وبدلاً من تصدير الاضطرابات للآخرين يمكنهم تصفية الأجواء معهم والعمل على المصالح المشتركة، لا سيما أنهم مقبلون على صفقة تاريخية مع أمريكا حول برنامجهم النووي تمكنهم من فك العقوبات الاقتصادية عليهم ودخولهم الاقتصاد العالمي واندماجهم مع المجتمع الدولي بدلاً من التمرد غير المجدي عليه..
أما أهم التأثيرات فهي أن السعودية أثبتت أنها قادرة عسكرياً كما هي قادرة اقتصادياً، وأصبحت أكثر حزماً مع التوسع الإيراني وأكبر تأثيراً خاصة مع تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة وضعف قيادتها للتحالف الدولي ضد الإرهاب.. فالسعودية الآن هي التي تقود تحالفاً دولياً لمواجهة الإرهاب على حدودها الجنوبية..
بين التوقعات تأتي المفاجآت التي لا تكاد تخلو منها أي حرب، لكن طالما أن عاصفة الحزم حرب عادلة لأنها تستند على أسباب عادلة ووسائل ناجعة ضد سلوكيات عدوانية خارجة على الشرعية، بعد فشل كل المحاولات السلمية للحل، فالمأمول هو أن تحقق عاصفة الحزم أهدافها النبيلة..