د. محمد عبدالله العوين
لعل من حسن حظ مصر أن تستضيف العرب في أحلك ظروفهم، وأن تسعى إلى أن تخرج من على أرضها العربية وشعبها العظيم أخطر القرارات المصيرية.
لقد بدأ أول تجمع قمة عربي في أنشاص بالإسكندرية 1946م في عهد الملك فاروق وبعد إنشاء جامعة الدول العربية التي اتفق العرب على أن تكون القاهرة مقرا لها بسنة واحدة، ثم عقد أول مؤتمر قمة عربي في القاهرة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر 1964م في ظروف سياسية خطيرة كانت تواجهها المنطقة العربية جراء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتهديد أمن الدول العربية المحيطة كمصر والأردن وسوريا، وتعود مصر من جديد لتستضيف العرب في قمة غير عادية بعد الغزو العراقي للكويت في 2 من أغسطس 1990م ثم تعقد بعد أيام في القاهرة أيضا مؤتمر قمة ثانيا غير عادي لمناقشة الاستعانة بقوات أجنبية لإخراج الجيش العراقي من الكويت بتاريخ 15 من أغسطس.
وهاهي مصر تعود الآن إلى أداء دورها التاريخي العربي لتكون المنطلق لتأسيس مفهوم وحدة عربية في ظروف سياسية صعبة جدا؛ فيجتمع أربعة عشر زعيما عربيا في شرم الشيخ ليواجهوا حالة الفوضى التي تمر بها أقطار عربية عدة بعد اندلاع لهيب نيران ما سمي بـ»الربيع العربي» الذي أحرق وفرق ومزق أوطانا وقطع أرزاقا وألجأ شعوبا في المنافي، وليواجهوا أخطار التغول «الفارسي» في المنطقة العربية الذي بدأ من العراق ثم امتد إلى سوريا ولبنان وانتقل بعيدا ليلتف على الجزيرة العربية فزرع له عملاء وأتباعا ومستأجرين في اليمن هم الحوثيون كما كان قد استنبت له من قبل عملاء وأتباعا وموالي في العراق وسوريا ولبنان !
تمثل قمة « شرم الشيخ « صحوة الجسد العربي بعد تخديره عقودا، ويقظة الأمة العربية بعد غفوتها التي امتدت آمادا، وتمثل صولة الأسد الجريح حين تلتئم بعض جراحه، أو انتفاضة طائر الفينيق من تحت الرماد، مدركين بعد طول صبر أن الاستسلام لليأس سيجر الأعداء المتربصين المنتظرين لينهشوا جسد الأمة المثخن بالجراح والانتكاسات والانقسامات والخيانات!
أدرك العرب أنهم أمام خيارين لا ثالث لهما : إما الوحدة أو الفناء!
لقد بدأ الأعداء المتربصون من بجم وعجم في الاستفراد بالدول العربية واحدة بعد الأخرى، فأوقدوا نيران الفتن باسم الطائفية والدين والقبلية ؛ حتى اشتعلت المنطقة العربية وتغلغل في أثناء هذا الحريق دعاة وعملاء إيران الطامعة إلى تكوين إمبراطورية جديدة تستعيد من خلالها أحلام عرش زال قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام على يد العرب الفاتحين!
وهكذا وجدنا العراق بتأثير أطماع طهران تحترق منذ 1979م بعد ثورة الخميني، فما استراح العراق أبدا من مكايد الفرس منذ أن كادوا لإسقاط الدولة الأموية عام 132هـ مرورا بالدولة العباسية ثم استقبال غزاة المغول ثم السعي إلى تصدير ثورة الخميني المجوسية الفارسية إلى المنطقة العربية حتى سقط العراق ثم سوريا ولبنان، وأخيرا اليمن!
يكفي مؤتمر شرم الشيخ فخرا أن يخرج بقرارين فقط هما الأبرز من مجمل قرارات وتوصيات كثيرة، القرار الأول : تأييد عاصفة «الحزم» التي أطلقها الملك سلمان أيده الله بنصره والتأكيد على مشروعيتها لاستعادة اليمن من أن يرتمي في الأحضان الإيرانية ويشكل مدخلا وتهديدا على سيادة الجزيرة العربية وبقية الدول العربية، والقرار الثاني الذي يكاد أن يكون مستنتجا من ضغوط أزمات العراق وسوريا ولبنان واليمن مجتمعة ؛ هو تكوين جيش عربي موحد!
لقد سبقتنا الأمم الغربية إلى الوحدة الاقتصادية باليورو والوحدة الجغرافية بالشينجن والوحدة العسكرية بالناتو، وليس بينهم من المشتركات عشر ما بيننا ؛ فهم يتكلمون لغات عدة ونحن لغة واحدة، وهم يدينون بديانات ومعتقدات مختلفة ونحن بدين واحد، وهم تفصل بينهم تضاريس وحدود متباعدة ونحن متقاربون!
نحن أقوياء جيوشا واقتصادا وشعوبا وتنوعا وإمكانات هائلة ؛ لكننا متفرقون !
جيش عربي موحد بداية لزمن عربي شجاع لا مهانة فيه ولا إذلال.
تحيا الأمة العربية !