د. محمد عبدالله الخازم
عاشت الرياض ولازالت نهضة تنموية كبرى وهي بانتظار المزيد من التألق باكتمال بعض مشاريعها الكبرى كمشروع النقل العام والمركز المالي وغيرها. كمتذوق لجمال المدن من خارج منظومتها الإدارية أرى بأن أحد إشكاليات الرياض الراهنة ليس في نقص مشاريعها وليست في بنيتها التحتية مقارنة بكثير من المدن الأخرى، لكن إلى حد ما في شكلها العام وتشوه كثير من معالمها بفعل التوسعات العشوائية وعدم الحفاظ على بعض مكتسباتها الجمالية. وتحديداً أرى معالم المدينة ليست مجرد شوارعها بل مؤسساتها الكبرى ومشاريعها الضخمة ومنتزهاتها التي تكون طابعها البصري والجمالي.
سأطرح أمثلة للمقدمة أعلاه؛ جامعة الملك سعود كانت تمثل معلماً بصرياً معمارياً مميزاً بالرياض تحيط به المساحات والفضاءات الجميلة لكن ما حدث لها هو تشويه لذلك الجمال حيث أصبحت غابة من المباني غير المتناسقة جمالياً، ومعمارياً. ومثلها نلاحظ التوسعات في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومدينة الملك فهد الطبية وجامعة الإمام محمد بن سعود وفي بعض الوزارات ومؤسسات القطاع الخاص الكبرى. كثيراً من تلك المشاريع تتم بشكل منفرد أو منعزل عن الأخرى بشكل يسلب المدينة جمالها ورونقها الذي كانت تضيفه تلك المؤسسات قبل توسعاتها المختلفة.
إضافة إلى ذلك نلاحظ بعض الجهات تحدث التشويه البصري بإهمال الصيانة والحفاظ على رونقها، كما يحدث في إهمال بعض الحدائق وبعض الأحياء أو بعض المباني الحكومية والأهلية، حتى تصبح مصدر تشويه بعد أن كانت في بداياتها تشكل إضافات جميلة للمدينة من الناحية البصرية والجمالية. انظر كم حديقة كانت مصدر جمال ومحل جذب للزوار، فأصبحت مهملة ومتهالكة، فقدت تاريخها ورونقها وروعتها التي كانت عليها.
إدارة المدينة يجب أن يكون لها كلمتها في هذا المجال، لذلك أقترح على أمارة الرياض تأسيس لجنة فنية متخصصة تمنع أية توسعة كبرى في أي مشروع حكومي - أي توسعة لها علاقة بشكل منشأتها من الخارج- دون الرجوع لها. تلك اللجنة التي قد تتبع أمارة المنطقة أو تتبع الهيئة العليا لتطوير الرياض تكون مهمتها التأكد من عدم إخلال المشاريع الكبرى بجماليات المدينة وبجماليات المؤسسات القائمة حالياً. أمانة المدينة تقوم بتقسيمها إلى مناطق سكنية وتجارية وحكومية وتحدد ارتفاع المباني في كل منطقة لكنها لا تتدخل كثيراً في الشكل والهوية التي تشكل في مجموعها هوية المدينة، كالمشاريع الكبرى لمختلف القطاعات الحكومية والأهلية، لذلك وجدنا شريطا من الأبراج الضيقة تشوه شكل جامعة الملك سعود ومواقف بشعة تشوه واجهة مدينة الملك فهد الطبية واعتداء على المسطحات المحيطة يشوه جمال جامعة الإمام وهكذا... افتقدنا بعض جماليات حدائق الملز وجبل مخروق والسويدي والعليا والحي الدبلوماسي وغيرها بسبب الإهمال وضعف الصيانة والعناية.
أعلم أن ذلك يحدث تحت ضغط الحاجة للتوسع وكل جهة تعتبر مستقلة في إحداث ماهي بحاجة إليه من توسعات، لكن ذلك لا يعفيها من الالتزام بسياسة عامة تفرضها إدارة المدينة. وأعلم أن البعض سيعتبر اقتراح موافقة لجنة عليا تؤسس بالرياض أو موافقة الهيئة العليا لتطوير الرياض على تلك التوسعات يعني مزيداً من البيروقراطية، لكن لا بأس في تحمل بعض البيروقراطية لأجل الحفاظ على هوية بصرية معقولة ومقبولة للمدينة.
نريد الرياض الجميلة بصرياً، وجمال المدينة يأتي من جمال مكوناتها؛ مسطحاتها وفراغاتها ومبانيها ومعالمها وحدائقها وغير ذلك.
فهل نرى رؤية وخطة تحافظ على ما تبقى من جماليات للمدينة قبل أن تشوهها التوسعات أو يحيطها الإهمال؟