د. محمد عبدالله الخازم
صرح وكيل وزارة التعليم لشؤون الابتعاث الدكتور ناصر الفوزان بأن برنامج الابتعاث مستمر وسيعلن عن مرحلته القادمه بعد «استكمال التقييم الشامل للبرنامج، بهدف تطوير التخصصات بما يلبي متطلبات سوق العمل واحتياجات القطاعين العام والخاص...». ذلك التصريح جاء في وقته المناسب، بعد تعدد الشائعات حول برنامج الابتعاث التي وصلت حد التكهن بإيقافه تماماً.
وحيث الموضوع قابل للتقييم، فإنني أجدها فرصة للمشاركة من خلال (منبري) هذا وليس بصفتي العملية، عبر هذا المقال ومقالات أخرى، بتكرار أفكار أغلبها طرحته للمرة الأولى قبل أكثر من عشر سنوات مضت، وكنت حينها مبتعثاً أعيش غربة الابتعاث.
المهمة الأولى المطلوب تحديدها هي الهدف من برنامج الابتعاث. بكل أسف ما زالت النغمة الشائعة في هذا الموضوع تتمحور حول الحصول على شهادة في التخصصات التي يوجد بها شواغر وظيفية كبرى، كالتخصصات الصحية. ووفق هذه النظرة الضيقة يتم حصر تخصصات الابتعاث في مجالات ضيقة يتم تقليصها وتضييقها عاماً إثر عام. هذا ليس هدف علمي وليس لأجله تتجه كثير من الدول المتقدمة لإرسال طلابها للدراسة في الخارج، بما فيها الدول الكبرى التي نبتعث إليها.
الهدف المفترض هو أن الابتعاث جزءاً من برنامج واستراتيجية التنمية البشرية الهادفة لأن تكون أكثر تنوعاً وانفتاحاً على مختلف الثقافات والأساليب والخبرات. الهدف هو تطعيم الخبرات المحلية بكوادر تحمل الخبرات العالمية المتنوعة، التي يمكنها المساهمة في التجديد والتطوير الفكري والبشري والثقافي للبلاد عن طريق تعلم ونقل الخبرات العالمية المختلفة. تعليمنا المحلي قادر على تخريج حملة شهادات، لكن لا نستطيع الادعاء بأنه قادر على إيجاد مخرجات تستوعب كل التطورات العالمية الحديثة. ولو أصررنا على أن الهدف هو الشهادة واكتفينا بما تخرجه مؤسساتنا المحلية فهذا يعني أننا سننعزل عن العالم ونكون أشبه بمن يصب الماء ويعيد استخراجه من نفس البركة الراكدة، غير المتجددة.
ولتأكيد أن القضية ليست مجرد شهادة وإنما هي توجهات عالمية في تطوير الكوادر البشرية نجد أن الطلاب الدارسين خارج دولهم يزداد يوماً بعد يوم، حتى أنه ازداد من أقل من مليون طالب عام 1975م إلى أكثر من أربعة ملايين طالب عام 2010م. الطلاب الأجانب بالدول الأوربية من خارجها بلغ 874 ألفاً بينما بلغ عدد الطلاب الأوربيين الملتحقين ببرامج دراسية قصيرة المدى أو طويلة المدى خارج دولهم وداخل دول الاتحاد الأوربي الأخرى حوالي نصف مليون عام 2007م.
الولايات المتحدة وهي المستقطب الأكبر للطلاب الأجانب يبلغ عدد طلابها الدارسين بالخارج أكثر من 50 ألف طالب، ومثلها تقريباً اليابان وكندا وفرنسا، ويعملون لزيادة تلك الأرقام، فهذه كندا على سبيل المثال أعلنت استراتيجيتها الرامية إلى زيادة طلابها بالخارج إلى نحو 250 ألف طالب. أما ألمانيا وكوريا فعدد طلاب كل منهما بالخارج مائة ألف وأكثر. وطبعاً لا ننسى الدول التي تملك النسب الأكبر، الصين والهند. ربما تختلف الدول في آليات التمويل ونوعية ومستوى برامجها في هذا الشأن، لكن في النهاية يتفق الجميع بأن تعلم الطالب خارج حدود بلده يشكل وسيلة هامة في مجال التنمية البشرية. عندما توسعت المملكة في برنامج الابتعاث، فذلك لأنها أدركت بأن تلك هي التوجهات العالمية في تطوير العلوم والتقنية والتنمية البشرية بصفة عامة وهي تحاكي سبل التقدم الحديثة ولا تعيش بمعزل العالم. لم يكن الأمر خياراً بقدر ما كان إحساساً ووعياً بالمسؤولية تجاه وضع بلدنا في مصاف المتميزين.
يجب أن تبقى المملكة -بإذن الله- مستمرة في الرقي والتطور كجزء من السياق والتطور العالمي وليس بمعزل عنه أو بالعودة إلى الوراء. برنامج الابتعاث أحد وسائلها في ذلك، يجب أن يستمر وبنفس القوة والزخم.
هذا لا يمنع أن البرنامج يحتاج بعض التطوير في إدارته وتنظيمه. المهم، يجب أن نفرق بين أهميته كبرنامج يجب أن يستمر وبين أهمية التطوير ببحث سلبيات التطبيق ومعالجتها. وللموضوع بقية...