فضل بن سعد البوعينين
رفض العميد أحمد عسيري؛ المستشار بمكتب وزير الدفاع، المتحدث الرسمي لعمليات «عاصفة الحزم»، إعطاء معلومات مالية حول تكلفة العمليات العسكرية؛ واكتفى بإجابة الصحفي الذي وجه له السؤال بقوله: «إن أمن وسلامة اليمن أهم من قيمة وتكلفة العمليات العسكرية المنفذة من قوة التحالف».
أتفق مع ما قاله العميد عسيري؛ وأزيد؛ أن أمن وسلامة الأراضي السعودية ومقدراتها الإقتصادية والأمن القومي العربي أهم بكثير من التكاليف المالية. في حرب تحرير الكويت؛ استنزفت السعودية جميع احتياطياتها المالية للمساهمة في تكاليف دحر القوات العراقية المعتدية؛ واستقبلت أكثر من 500 ألف جندي أجنبي؛ وجندت لهم كامل طاقاتها؛ ومواردها. برغم التكاليف المالية الضخمة التي عانت منها الخزينة السعودية لسنوات؛ إلا أن الرؤية الإستراتيجية كانت تفرض على القيادة اتخاذ ذلك القرار الحاسم والصعب لتحرير الكويت أولا؛ والحؤول دون تعرض الأراضي السعودية لأية اعتداءات مستقبلية.
وبعد التدخل الإيراني في مملكة البحرين، تدخلت السعودية لحماية الشرعية؛ والأراضي البحرينية من الاعتداءات الصفوية التي اعتبرت البحرين لوح الغطاس الذي تقفز منه للسعودية ودول الخليج الأخرى.
تحرك الجيش السعودي السريع أفشل المخطط الصفوي؛ والمخططات الغربية الآثمة؛ وأفقد الدبلوماسية والاستخبارات الغربية اتزانها؛ وسريتها؛ ما حملها على انتقاد ما أسمته (تدخلاً سعودياً في البحرين).
تدخل المملكة السريع؛ والمفاجئ أفسد المخططات الاستخباراتية؛ والأمنيات الغربية والصفوية؛ ما فتح عليها نيران ما كينة الدعاية الموجهة التي صورت التدخل السعودي احتلالا للبحرين؛ في الوقت الذي اعتبرت فيه التدخل الصفوي ودعمه الانقلاب على الشرعية؛ جزء من حقوق (المعارضة البحرينية المشروعة) برغم طبيعتها الاستخباراتية وتبعيتها الصفوية.
الأزمة اليمنية ليست إلا حلقة من حلقات المخطط الإستراتيجي الصفوي الغربي الموجه نحو الدول العربية؛ والخليجية بشكل خاص؛ وفي مقدمتها السعودية؛ مهد الرسالة؛ وأرض الحرمين الشريفين؛ ومحور الإسلام وقبلة المسلمين. سفك الدماء؛ وتدمير الدول؛ وتفكيكها؛ وتهجير الشعوب العربية هو ركيزة مشروع «الفوضى الخلاقة» الذي غاب عن ذاكرتنا بعد انشغالنا بمآسينا في سوريا والعراق وليبيا وغالبية الدول العربية. لم تعر السعودية بالاً للتكاليف المالية؛ برغم أهميتها؛ قط؛ لأسباب مرتبطة بالتكاليف اللاحقة للسيطرة الإيرانية على اليمن؛ وتداعياتها المدمرة على الشعب اليمني؛ والدول العربية؛ والمسلمين عامة على وجه الأرض؛ أكثر المتضررين من أي خلل أمني يصيب السعودية وبالتالي أمن الحرمين الشريفين.
عودا على بدء؛ فتكاليف العمليات العسكرية لا تقاس بالأموال بل بالنتائج المرجوة منها؛ وفي مقدمها حماية الشعوب؛ وتحقيق الأمن والاستقرار والمحافظة على المكتسبات الاقتصادية والتنموية؛ وحماية الإسلام وتحقيق أمن مقدساته. أموال الدنيا العالم ستكون ضئيلة جدا؛ لو نجحت في وقف تهجير وتشريد أكثر من 13 مليون سوري؛ وقتل ما يقرب من 300 ألف؛ وتدمير الاقتصاد؛ والإنسان والمكان. الأمر عينه ينطبق على العراق وليبيا؛ الغنيتين بالنفط؛ والفقيرتين للأمن والاستقرار ما جعلهما في مصاف الدول الفقيرة برغم ثرواتهما الطبيعية ومواردهما النفطية.
لم تتوقف السعودية يوما عند حساب التكاليف إذا ما تعلق الأمر بأمن دولة التوحيد؛ والإسلام والمسلمين؛ وتحقيق الأمن القومي؛ وحماية أرض الحرمين الشريفين من أن تدنس أو تُستهدف من قبل الجماعات الضالة والمنحرفة؛ أوالأنظمة والدول المارقة. حلم السعودية؛ وأناة قادتها لا يخلوان أبداً من الغضبة الجارفة في حال مُس الوطن وأمنه واستقراره أو هُدِدَت؛ ولو بالقول؛ مقدساته. حِلم لا ينقصه الحزم وقت الحاجة؛ والغضبة المبررة انتصاراً لله ثم الدين والوطن والحقوق الإسلامية والعربية. ولعلي أستشهد بما قاله الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز؛ أمير المنطقة الشرقية؛ في استقباله أهالي المنطقة ومسؤوليها؛ «حليمنا هو سلمان بن عبدالعزيز الذي أخذ على عاتقه وبكل شجاعة ألا يُمس ديننا الحنيف بأي شكل من الأشكال وألا تُمس شريعتنا الغراء ولا يمس قضاؤنا فكان له الموقف القوي تجاه هذا الأمر حتى تعدل وعاد الحليم حليماً» مستشهدا بقول «النابغة الجعدي»:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له .. بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له .. حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
اختصر الأمير سعود بن نايف موقف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ في مواجهته الأزمة؛ وإصراره على نصرة الدين؛ وإحقاق الحق؛ وحماية الشرعية والمنطقة؛ والأمن القومي؛ بكلمات مرتجلة وموجزة؛ بليغة المضامين؛ شاملة المعاني؛ وهو الموقف الذي نال عليه خادم الحرمين الشريفين التأييد الشعبي؛ الخليجي؛ العربي والدولي في أقوى المواقف العسكرية التي تحظى بتأييد شامل يعكس قوة القيادة السعودية؛ وقدراتها؛ ومكانة المملكة العالمية.