يوسف المحيميد
بعد سنوات طويلة من الجدال حول ملف رسوم الأراضي البيضاء، وتحويله من جهة إلى أخرى، تم أخيراً إقرار هذه الرسوم، ولم تعلن الآلية التي ستُتخذ بشأنها، وعلى أي أراض ستُحتسب؟ وكيفية طريقة احتسابها؟ وما إلى ذلك من خطوات إجرائية. وبعيداً عن تلك التفاصيل، التي لا شك سيتم دراستها جيداً قبل اعتمادها، سيترك هذا القرار أثراً إيجابياً على السوق العقاري والاقتصادي، وسيعالج خرائط المدن، والفراغات البيضاء المهملة داخل النطاق العمراني، بمنطق تجاري قديم، هو أن الأرض البيضاء لا تأكل ولا تشرب، فقط اتركها للزمن، وتنمو قيمتها دون أي جهد!
ماذا سيحدث بعد إعلان قرار الرسوم المفروضة على الأراضي البيضاء؟ وبعد نشر النظام وطريقة احتسابها؟ سيتحرك أي محتكر لأرض بيضاء بمئات الآلاف من الأمتار المربعة في أحد طريقين: الأول إما أنه سيقوم بتطوير هذه الأرض، وجعلها مخططة ومكتملة الخدمات، وبيعها، أو بناء وحدات سكنية عليها. وفي كلتا الحالتين سيكسب السوق العقاري زيادة في العرض، سواء بقطع الأراضي المتاحة للبيع، أو بالوحدات السكنية؛ ما يؤدي إلى الضغط على الأسعار، وانخفاضها تدريجياً.
أما الطريق الثاني فهو أن يتحرك محتكر الأرض الخام، الواقعة داخل النطاق العمراني، بإعلان بيعها. وزيادة العرض من هذه المساحات الضخمة ستُعيد السعر إلى الوضع العادل. وفي المقابل سيمتلك مثل هذه الأراضي أشخاص أو شركات عقارية، تخطط للقيام بمشروعات سكنية، وهذا أيضاً سيسهم في زيادة المعروض من الوحدات؛ ما يجعله يتوازن مع الطلب، ويحقق السعر العادل لهذه الوحدات السكنية،
ما أتمناه، بعد هذه المداولات الطويلة، قبل إقرار هذه الرسوم على الأراضي البيضاء، أن يكون هذا النظام مدروساً بشكل جيد، بحيث يتضمن العدالة بين تجار العقار في تحديد النسب على المساحات، بحيث تكبر النسبة تبعاً لحجم الأرض؛ لأن كبار العقاريين لن يتأثروا كثيراً بهذه الرسوم نظراً لحجم ثرواتهم على مدى سنوات طويلة، تزيد على نصف قرن، من الاحتفاظ بأراضٍ تكبر دون أي مصروفات، بينما صغار العقاريين هم من قد يتأثر نشاطهم، وقد يضطر بعضهم للخروج من السوق، وهذا أيضاً ليس من صالح السوق العقاري، الذي هو جزء من اقتصادنا الوطني. فما من عاقل يريد انهيار السوق العقاري؛ لأنه ضلع مهم ومؤثر في الاقتصاد، بل إنه مع سوق الأسهم أهم داعمين للاقتصاد، وهما يتأثران معاً بأسعار البترول والإنفاق الحكومي من جهة، وبكبار التجار المؤثرين فيهما وصغارهم. لكن ما يبحث عنه الجميع هو تحقيق توازن هذا السوق العقاري، بتوازن العرض والطلب، بحثاً عن السعر العادل، سواء للأراضي السكنية والتجارية، أو للوحدات السكنية، من حيث البيع والشراء والإيجار.