عبدالعزيز السماري
خلال العقود الستة الماضية عاش العرب تحدي التفوق الصهيوني في إسرائيل، لكنهم فشلوا في تجاوزه، وقبل ذلك فشلوا في تجاوز تحدياتهم الخاصة، والمثقلة بتقاليد عفا عليها الزمن، ولم تعد صالحة لإدارة بلاد في العصر الحديث، ويأتي في مقدمتها الاستبداد والانفراد بالقرارات والقبضة الأمنية والفساد، وكانت فترة يُختزل فيها الوطن في شخصية القائد وخطبه الرنانة.
كانت مرحلة الناصرية أو القومية العربية متخمة بأنظمة العسكر الذين لا يجيدون إلا قوة العضل والحكم بالقبضة الأمنية، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في تأسيس وطن للجميع، وقد كانت مرحلة كارثية بامتياز بغض النظر عن النبرة العربية الطاغية، في حين كان العدو الإسرائيلي أكثر تنظمياً وقدرة على تجاوز تحدياته، وكان وما زال قادته يعملون من أجل الوصول إلى خدمة مصالح قوميتهم اليهودية في المنطقة، وكانت هزيمة الأيام الستة إعلاناً لنهاية مرحلة العسكر العربية، لكنها مع ذلك استمرت في حالة هزيلة إلى زمن ما يُطلق عليه بالربيع العربي.
جاءت إيران لتشعل نيران التحدي للعرب ولدول الخليج، بعد أن أوجدت لها أوكاراً سياسية داخل الأراضي العربية، ولتستغل الضعف العربي في تصدير ثورتها الطائفية إلى الجيران العرب، وكان تحديها الآخر في استغلال ثرواتها لبناء قوة نووية في المنطقة، وما زال اتفاق الإطار مع الغرب ينتظر التطبيق بعد شهرين من الآن، وستكون إيران المنتصر بعد إتمامه، وقد يفتح لها آفاق اقتصادية وتنموية أكثر، بينما ما زال العرب يعيشون في كارثة إدارية تنموية، ويحتاجون إلى معجزة من أجل تقويم الاعوجاج السياسي الذي كانوا يعيشون فيه، والذي ما زال في بعض الدول يقدم المصالح الخاصة على الوطنية.
لم تصل حالة الربيع العربي إلى دول الخليج، لكنهم استفادوا من تلك التجربة الثرية، أن الوطن يجب أن يعتمد على أبنائه، وأن تحمي قوات البلاد حدودها، ولهذا السبب تخوض المملكة حرباً عادلة ضد المرتزقة السياسيين في اليمن، وجاء تحرك دول الخليج العربي سياسياً وعسكرياً من أجل مصالحهم الوطنية، فالحالة اليمنية كانت تنذر بوجود كيان سياسي طائفي على غرار حزب الله في لبنان، ويخدم مصالح دولة أجنبية، ويحمل نبرة عدائية ضد البلاد، فكان توقيت الرد لا رجعة عنه.
لذلك لا بديل عن أن تواصل القيادات الخليجية السعي من أجل أن تكون هذه الدول قوة إقليمية مؤثرة في مختلف المجالات، وأن تتفوق عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وأن تقبل مبدأ تجاوز التحدي الإيراني والإسرائيلي في المنطقة، وأن لا تعتمد بعد الآن على بعض الأنظمة التي تحكمها أساليب المرتزقة، وأن نستفيد من درس صناعة المرتزقة على شاكلة علي عبدالله صالح، والذي كون ثروة طائلة، وصلت مقدراتها إلى القدرة على تشكيل جيش خاص يخدم مصالحه السياسية.
تبدو الخطوات الأهم في المستقبل لدول الخليج العربي في تجاوز التحديات التي تشكل عائقاً ضد الوصول إلى «الوطن» الذي ينطوي تحت جناحه الجميع، وأعني بذلك مختلف التيارات الدينية والقبلية والإقليمية، ويأتي ذلك بالتقدم نحو دولة المؤسسات التي تنطلق من الإستراتيجيات الوطنية، وهم قادرون على ذلك ويملكون الحكمة السياسية والرؤية في توجيه بلدانهم نحو المستقبل المشرق، والله على ما أقول شهيد.