جاسر عبد العزيز الجاسر
توصلت إيران إلى اتفاق إطاري مع أمريكا والدول الخمس الأخرى يغلق الملف النووي الإيراني مؤقتاً، ويحوّل المسألة إلى مراقبة أداء أطراف القضية التي استمرت طويلاً، مراقبة إيفاء إيران بالتزاماتها لوقف برامج التخصيب وغيرها من الأبحاث النووية التي تقود إلى تصنيع أسلحة نووية، ومراقبة لرفع العقوبات المفروضة على النظام الإيراني.
التوصل إلى هذا الاتفاق وإن لم يكن تماماً في صالح النظام الإيراني فهو فرض تنازلات على نظام طهران دون أن يخسروا كل شيء مثلما لم يكسبوا كل ما يريدونه، وتراجع الأمريكيون والغربيون قليلاً ولم يربحوا كل شيء أيضاً، إذن هي صيغة توافقية هدف الأمريكيون منها أن يحدّوا من السعي الإيراني في تصنيع القنبلة الذرية, وأن يوفروا المسعى الإيراني إلى سنوات أخرى وربما إلى عقود، مقابل رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على النظام، حلاً يصنّف تحت بند (لا غالب ولا مغلوب)، ولكننا هنا في الدول العربية ننظر للاتفاق من منظور آخر، وهو علاقة ما حصل بأمننا القومي وكيف سيكون وضع النظام الإيراني بعد أن تحرّر ولو جزئياً من ضغوط الملف النووي، ثانياً: كيف سيكون تعامل الأمريكيين والغربيين عموماً مع النظام الإيراني الذي يصنفونه داعماً للإرهاب، وأهم من ذلك كيف نتعامل عربياً مع هذا الاتفاق الذي يشرعن إقامة المنشآت النووية وتخصيب اليورانيوم ضمن النسب المقبولة، والقيام بالأبحاث النووية للأغراض السلمية والطبية، وهو ما يجعل الدول العربية القادرة على ذلك كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر تعمل على تسريع جهودها في هذا المجال لتكون قادرة على الدفاع عن مكتسباتها التنموية وتحصين أمنها القومي.
المهم نظرتنا العربية لهذا الاتفاق تغيّرت وبنسبة عالية جداً بعد عاصفة الحزم التي أعادة الثقة والهيبة للقوة العربية، فقبل عاصفة الحزم واعتراض التمدد الإيراني في اليمن كانت الكثير من العواصم العربية قلقة من أن تتم صفقة إيرانية- أمريكية على حساب المصالح العربية، إلا أنه وبعد الكشف على ما تم الاتفاق عليه، وضح كم كان تأثير القوة العربية الصاعدة التي ترجمتها وكشفتها عاصفة الحزم التي أوضحت بروز قوة عربية بقيادة المملكة العربية السعودية، تقول وتفعل، وبما أن العالم بما فيهم الأمريكيون، وهم الذين كانوا يريدون أن يضعوا العرب وبالذات أهل الخليج العربي أمام الأمر الواقع، ويعقدوا تفاهمات مع نظام إيران ليكملوا مسارات تفاهماتهم في العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان، وكان مقدراً أن يستمر ذلك في اليمن، إلا أن التفوق والقدرة العربية في صياغة تحالف عربي إسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية، أنتج قوة ضاربة قادرة على إبعاد الإيرانيين عن الفضاء الأمني العربية، ولأن العالم يعجب بالقوي وبالذي يتخذ القرار ولا يتراجع عنه، فإن أمريكا والدول الخمس الأخرى التي شاركتها في التفاوض مع إيران تفاعلت مع التحرك العربي ووجدت فيه دعماً لها في عمليات التفاوض لأن النتائج الأولية لعاصفة الحزم وانتصاراتها حدّت كثيراً من الغطرسة الإيرانية بعد أن عرت فعاليات العاصفة وتعاطف المجتمعات الإسلامية والعربية واتساع التحالف العربي والإسلامي وطلبات الانضمام له، لتؤكد أن إيران فشلت تماماً في كل ما زعمته من أن ثورة خميني جاءت لإعلاء المبادئ الإسلامية، إلا أن خميني وورثته عملوا على نشر الفتن والاحتراب الطائفي ومحاولة الهيمنة على الدول العربية.