م. خالد إبراهيم الحجي
بنوك الطعام عبارة عن مؤسسات خيرية غير ربحية تهتم بتجميع فائض الطعام والهدر الغذائي وتخزينه وتوزيعه على الفقراء والمساكين الذين يعانون من الفاقة وعدم القدرة على شراء الطعام اللازم لسد رمقهم، وأول بنك أنشئ للطعام تم تأسيسه في عام 1976م
في الولايات المتحدة الأمريكية ثم في أستراليا، ثم انتشرت فكرة إنشاء بنوك الطعام في باقي دول العالم عدا دول غرب أوروبا التي طبقت فكرة بنوك الطعام بعد أمريكا وأستراليا بعقدين من الزمن بسبب المزايا المتوفرة في أنظمة الضمان الاجتماعي للفقراء في تلك الدول في ذلك الوقت، ولكن مع تزايد نسبة التضخم في أسعار المواد الغذائية بدأت تنتشر فكرة إنشاء بنوك الطعام في دول أوروبا خاصة بعد الانهيار المالي العالمي في عام 2008م حيث أثر الكساد الاقتصادي على أصحاب الدخل المنخفض تأثيراً سلبياً شديداً. واليوم نجد أن بنوك الطعام قد كثر انتشارها في دول أوروبا بشكل ملحوظ نتيجة خطط التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي على بعض الدول الأعضاء ومنها على وجه الخصوص اليونان التي أصبحت تصارع شبح الإفلاس إلى اليوم، وهناك نموذجان لبنوك الطعام: النموذج الأول يعرف (بمخازن التوزيع) ويُعمل به في أمريكا وأستراليا، وفيه يتم جمع الطعام وفرزه وتقييمه من حيث الصلاحية والجودة ومن ثم تخزينه، وبالتالي تعمل هذه المخازن كصرافات للطعام إلى المتعهدين الذين يعملون في الخطوط الأمامية مثل مطابخ الوجبات والموائد الخيرية المنتشرة في المدن الأمريكية والأسترالية ويذهب إليها الفقراء والمحتاجون لتناول الوجبات عندهم، أو تقوم الجمعيات الخيرية في تلك المدن بتوزيع المواد الغذائية وتوصيلها إلى الفقراء والمحتاجين في أماكنهم، والنموذج الآخر يُعرف بـ(الخط الأمامي لتوزيع الطعام) ويُعمل به في باقي الدول الأخرى وفيه يقوم بنك الطعام بتجميع الطعام وتخزينه وتوزيعه إلى الفقراء والمحتاجين مباشرة. ويعتبر فائض الطعام وتبرعات المواد الغذائية التي تحصل عليها بنوك الطعام بمثابة الوقود اللازم لتشغيلها، وكلا النموذجين (مخزن التوزيع والخط الأمامي لتوزيع الطعام) يعتمدان على مصادر عديدة للحصول على الطعام من أهمها: الطعام الذي يأتي من المتبرعين أو فائض الطعام من الحفلات الخاصة والعامة والفنادق، أو فائض المواد الغذائية الراكدة في المصانع وعند التجار قبل انتهاء صلاحيتها عندهم، أوالمزارع التي لم تستطيع بيع جميع محاصيلها الموسمية نتيجة زيادة العرض على الطلب. والفرق بين طريقة عمل كل من النموذجين (مخزن التوزيع والخط الأمامي لتوزيع الطعام) موضوع بحث ونقاش دائم بين الباحثين والمخططين لاختيار النموذج الأفضل تطبيقا، وبالرغم من أن تزايد انتشار بنوك الطعام على نطاق واسمؤشر يدل على مستوى النشاط الخيري والتكافل الاجتماعي الذي تتمتع به المجتمعات، إلا أن بعض الدراسات الاجتماعية تشير إلى أن بعض الفقراء والمحتاجين يشعرون بالخزي والحرج بسبب الحصول على الطعام أو تناولهم الوجبات الغذائية من بنوك الطعام. وإذا أردنا تطبيق فكرة بنوك الطعام في المجتمعات المسلمة مثل دول الخليج التي اشتهرت بكثرة الجمعيات الخيرية والإسراف الشديد والبذخ في مظاهر الطعام والشراب بكميات كبيرة تفوق بأضعاف مضاعفة أعداد المدعويين وحاجتهم في المناسبات الاجتماعية وخاصة حفلات الزواج والأفراح التي تجسد شكلاً من أشكال الترف والرفاهية وينتج عنها الطعام الفائض والهدر الغذائي الكبير، وهذا يجعل إنشاء بنوك الطعام ضرورة ملحة للاستفادة من ذلك الفائض والهدر الغذائي الكبير، كما اشتهرت دول الخليج بحرصها على أعمال الخير خصوصاً في شهر رمضان حيث يتم توفير وجبات الإفطار في جميع المساجد تقريباً، ولذلك فإن تحويل تبرعات الطعام الفردية بمختلف أشكالها وأنواعها إلى عمل مؤسسي يتيح لفاعلي الخير التبرع بما تجود به أنفسهم من طعام أو مواد غذائية إلى بنوك الطعام، ولأن بنوك الطعام عمل خيري مؤسسي يحتاج إلى رؤوس الأموال ومجالس إدارة، بالإضافة إلى أهمية وجود أعضاء ممثلين عن مؤسسات الضمان الاجتماعي للإشراف عليها. وإطعام الفقراء والمحتاجين من الأعمال الخيرية الذي يترك في نفوسهم شعوراً بالرضى والانتماء لمجتمعاتهم، وعند تطبيق فكرة إنشاء بنوك الطعام كعمل مؤسسي تبرز الحاجة إلى أهمية الاستفادة من تجارب الآخرين مثل التجربة الأمريكية التي انتهت إلى تخصيص بنك واحد في المدينة يعمل كمخزن جملة مركزي يتم فيه استلام جميع التبرعات وأنواع الطعام والمواد الغذائية ومن ثم صرفها وتوزيعها إلى المتعهدين والجمعيات الخيرية التي تقوم بمهمة توزيع الطعام بنظام التجزئة على الفقراء والمحتاجين وتوصيله لهم. وقد تطور عمل بنوك الطعام مع مرور الزمن وتخصص بعضها واقتصر نشاطه على صرف الوجبات الطازجة فقط لأسباب صحية معروفة التي تركت أثراً إيجابياً على مشاعر المستفيدين، والبعض الآخر تخصص في شراء وجبات جاهزة ومعلبة بصلاحية عدة أيام وبأسعار مخفضة ومن ثم يتم صرفها إلى الجمعيات الخيرية التي تقوم بدورها بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين. وقد ثبت من تجارب الدول الغربية التي سبقت في مجال إنشاء بنوك الطعام أنه أحياناً ينفد الطعام من تلك البنوك، وعندميصل بعض الفقراء والمحتاجين لتناول وجباتهم الغذائية لا يجدون طعاماً فيتأثرون نفسياً ويصيبهم الحزن ويشعرون بالذل والهوان، ولهذا قام بنك شارع لندن للطعام باستحداث طريقة مبتكرة لعلاج هذه المشكلة تتمثل في طلب بنك الطعام من المتبرعين بتزويد البنك بقسائم شراء مواد غذائية مسبوقة الدفع تصدرها أسواق السوبر ماركت، ومن ثم يتم صرف هذه القسائم المسبوقة الدفع بشكل أسبوعي إلى المستحقين لها، ليضمن لهم الحصول على المواد الغذائية من تلك الأسواق وقت احتياجهم إليها دون شعورهم بالحزن أو الذل والهوان.
والخلاصة إن فائض الطعام والهدر الغذائي يجب سرعة الاستفادة منهما اتباعاً لديننا الإسلامي الحنيف من خلال تحويل الأعمال الخيرية الفردية إلى أعمال مؤسسية خيرية مثل بنوك الطعام للفقراء والمحتاجين.