إن الهيكلة مصطلح إداري تنظيمي يعني إعادة التنظيمات القانونية وإعادة الهياكل الإدارية لتطوير سير العمل بأداء أفضل وكفاءة أكثر، وتشمل تعيين قيادات إدارية جديدة، ويكون ذلك لغرضين، الأول: تطويركفاءة الكيانات والهيئات والمؤسسات العاملة لتحقق أهدافها المرسومة
بفعالية أكثر، والآخر: مواجهة التحديات الراهنة ومواكبة الظروف التي تستجد لتناسب سرعة التغيير على أرض الواقع. وخلال الأسبوع الأول من تولي الملك سلمان سدة الحكم أصدر أوامر ملكية عدة تعكس براعته في الإدارة والقيادة ودقة التوقيت، تمثلت في تجزئة الأوامر الملكية إلى جزءين قبل البيعة وبعد البيعة، فقبل البيعة صدرت أوامر ملكية بتعيين صحابي السمو الملكي الأمير مقرن ولياً للعهد والأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد لاستكمال أركان البيعة بوجودهما جنباً إلى جنب مع خادم الحرمين الشريفين أثناء مبايعة المواطنين له في قصر الحكم ليتسنى للشعب مبايعتهما في الوقت نفسه، وبعد البيعة أصدر خادم الحرمين الشريفين 30 أمراً ملكياً شملت أركان الحكومة ومفاصل الدولة وشرائح مختلفة من المواطنين، بدءاً من إعادة تشكيل مجلس الوزراء ومروراً بتعيين بعض أمراء المناطق، وكذلك التعيينات الجديدة التي من أبرزها تعيين وزراء جدد، وإلغاء عدد من الأجهزة والمجالس العليا، وإنشاء مجلسين جديدين، الأول للشؤون الأمنية والسياسية، والثاني لشؤون الاقتصاد والتنمية، ويرتبطان تنظيمياً بمجلس الوزراء، ويترأس المجلس الأول صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، ويترأس المجلس الثاني صاحب السمو الملكي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان. ومن أبرز الأوامر الملكية الجديدة أيضاً دمج وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في وزارة واحدة باسم وزارة التعليم، وتعيين أصحاب السمو الملكي: الأمير خالد الفيصل أميراً لمنطقة مكة المكرمة، والأمير فيصل بن بندر أميراً لمنطقة الرياض، والأمير فيصل بن مشعل أميراً لمنطقة القصيم، وانتهاءً بدعم الموظفين الحكوميين والعسكريين والمتقاعدين ومستفيدي الضمان والمعاقين والطلبة براتبين، والعفو عن السجناء في الحق العام والإعفاء عن الغرامات المالية بما لا يتجاوز عن 500 ألف ريال.
ولكي نتصور اتساع المجالات التي شملتها هذه الأوامر الملكية التي صدرت بعد البيعة يمكن إجمالها كالآتي:
أولاً: تعيين 3 أمراء للمناطق مكة والرياض والقصيم.
ثانياً: تعيين 11 وزيراً جديداً.
ثالثاً: تعيين 10 مسؤولين جدد في مختلف الأجهزة والهيئات.
رابعاً: تأسيس مجلسين جددين.
خامساً: إلغاء 12 جهازاً ومجلساً.
سادساً: إصدار أوامر ملكية لإنقاذ 4 فئات من الفئات المتعثرة والغارمين.
سابعاً: إصدارأوامر ملكية لدعم المواطنين والجمعيات والنوادي مادياً بمبلغ وصلت قيمته إلى 110 مليار ريال.
إن إعادة الهيكلة التي قام بها الملك سلمان خلال الأسبوع الأول بعد مبايعته للحكم تدل على الذكاء والقدرة على التخطيط، كما تدل على العبقرية والإبداع التي ساعدته على تحقيق المنجزات العملية المبهرة على أرض الواقع منذ توليه إمارة الرياض وحتى مبايعته ملكاً. ومن هذه الدلالات على عبقريته الفذة استحداثه اليوم بنية حكومية مبتكرة لم تكن موجودة من قبل في الحكومات السابقة.
وقدرات العبقرية والإبداع في شخص الملك سلمان عديدة، ومن أبرزها القدرات التالية:
أولاً: الرؤية الثاقبة التي تعتمد على قراءة الواقع وتحليله تحليلاً صحيحاً لخدمة الوطن مع التفريق المنطقي والعملي بين حاجات الوطن بالأمس وبين متطلباته اليوم، وهذه الرؤية أدركها واستفاد منها كل من الملك سعود وفيصل وخالد وفهد والملك عبدالله -رحمهم الله جميعاً.
ثانياً: الفراسة التي جعلته قادراً على قراءة ملامح المصداقية والأمانة بين الناس لاستخلاص الرجال الصالحين للعمل في المناصب الحكومية القيادية.
ثالثاً: الاعتدال والتوازن والتوقيت المناسب في اتخاذ القرارات، فلا تباطؤ ولا استعجال في اتخاذ القرارات مع المتابعة والحزم في تنفيذها مثل قرارات إعادة هيكلة الحكومة السابقة.
رابعاً: تجسيده للنموذج الإسلامي الوسطي، ومحبة سموه الكريم لأهل العدل والإحسان وحبه لأعمال الخير ودعمه المستمر للجمعيات الخيرية.
خامساً: تواصله مع رعيته الذي يتمثل في حرصه على المشاركة في مجالات عديدة جعلت سموه الكريم يحقق الترابط بين الراعي والرعية، نشاهده من خلال إقبال الناس إليه في مجلسه المفتوح لاستقبال المواطنين، وقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه، قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال ثم يوضع له القبول في الأرض). متفق عليه.
سادساً: الجاذبية والحضور المؤثر (الكارزما) على الآخرين ينمي فيهم الحب والوفاء ويشحذ فيهم الحماس والولاء، فحبه الشديد للناس وعلاقته بهم نجده يتمثل في اهتمامه بهم ومنحهم النصيب الوافر من وقته الكريم مما جعلهم يرتبطون به عاطفياً وثقافياً، والدليل على ذلك بعد إذاعة جميع الأوامر الملكية غرد خادم الحرمين مخاطباً السعوديين: (أيها الشعب الكريم: تستحقون أكثر من ذلك، ومهما فعلت لن أوفيكم حقكم، وأسأل الله أن يعينني وإياكم على خدمة الدين والوطن، ولا تنسوني من دعائكم).