د. محمد بن عويض الفايدي
يعد الحديث عن الفساد أمر في غاية التعقيد لكونه يتجذر في شتى مجالات حياة الناس وسلوكهم وفي المنظمات والمؤسسات العامة والخاصة والمدنية والعسكرية والمحلية والإقليمية والدولية.
يتغلل الفساد في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية والدينية والتعليمية والخدمية والترفيهية والمهتمين بدراسة الفساد ينتمون إلى هذه الحقول المختلقة.
يعتبر الفساد عامة والفساد العقدي خاصة من أبرز المشكلات التي تعاني منها الدول، وتلتقي الدول المتقدمة والنامية في المعاناة من الفساد، وإن كانت الدول النامية معاناتها أكبر وضررها أبلغ لتعدد صور الفساد المتداخلة مع مختلف النشاطات والسلوكيات في المجتمع وصعوبة فصله عنها، ولأن أجهزة مكافحة الفساد فيها أقل كفاءة من الدول المتقدمة.
يأتي هذا المقال ضمن سلسلة مقالات ستعرض تباعًا لصور وأشكال الفساد المختلقة باعتباره ظاهرة لا تقتصر على مجتمع دون آخر، وهي ظاهرة قديمة وأزلية نشأة منذ العصور القديمة وفقاً للمقتضيات التي يدير بها الإنسان شؤونه.
يتشكل الفساد في كل مجتمع بحسب خصائصه وسماته ومستوى تقدمه، وتستقل فيه عمليات الفساد الوسائل التقليدية، ووسائل التقدم التقني والتقنيات الحديثة.
يتعاظم الفساد في أوقات الأزمات ويجد فيه الفاسدون منافذ ينفذون من خلالها إلى مجالات الفساد التي تتسع في ظل الأزمة التي تنخفض فيها وسائل الرقابة وتتعدد أساليب تخطيها.
يتجذر الفساد في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، ولكنه أكثر تجذر في الدول النامية لارتباطه بالتخلف الذي هو مظهر من مظاهره وسبب رئيس من أسبابه، والذي صاحبه ارتفاع في معدلات الانحراف الفكري والبطالة والجريمة وغسل الأموال والتلوث البيئي وهدر موارد التنمية وغيرها من مهددات المجتمع.
تتميز الشريعة الإسلامية بقيامها على العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، وتوفير سبل الحماية والوقاية والعلاج لكل ما يهدد حياتهم وأمنهم واستقرارهم. ومن ذلك محاربتها للفساد بشتى صوره وأشكاله حيث جعل الله سبحانه وتعالى الصلاح هو الأصل في الأرض.
إن سلامة العقيدة تعتمد على إقامة شرع الله والالتزام بكتابة القرآن الكريم وهدى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأي خروج عن هذا المنهج يعتبر انحراف عن الطريق القويم.
يعد كل غلو في الدين وعدم اعتدال وتوسط سلوك يخالف شرع الله.
يترجم الغلو «الانحراف الفكري» إلى ممارسة سلوكية شاذة تهدد أمن المجتمع والفرد وتغوض المقدرات وتثير الفساد في الأرض في حين أن الله سبحانه وتعالى أعلن الحرب على الفساد والمفسدين فقال: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} (56) سورة الأعراف.
وقال: {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (60) سورة البقرة.
الإسلام العقيدة الربانية النقية الصالحة للبشرية جمعاء تقيمها المملكة العربية السعودية، وتحكم بها واتسم مجتمعها بصلاح عقيدته والتزام أفراده بشرع الله.
مع ظهور بعض التيارات والاتجاهات الفكرية العقدية السلبية المتطرفة في بعض الدول استقت فئة من أبناء المملكة مشارب فكرية وعقدية مضللة تؤسس فلسفتها العقدية على التكفير والهجرة وتؤمن بمعتقدات خاطئة تنطلق من التكفير والهجرة، وتقاوم النظام الشرعي المستقر القائم وتعتدي على المقدرات، وتتخذ من الإرهاب والتفجير والترويع وسيلة لتحقيق أهدافها المخطط لها ممن يكيدون لهذا الوطن المستقر المطمئن.
تسرب الفساد العقدي لفئة قابلة للإيحاء والانقياد والتضليل مما صاعد من خطورة هذا الفساد العقدي المنحرف.
التصدي للفساد العقدي ومعالجة عوامل نشوئه وتكونه تتطلب جهدًا جماعيًا من كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي عليها تبني إجراءات فكرية وسلوكية ونفسية واجتماعية وخطاب ديني معتدل.
التقاء مع رغبة الشعوب والدول في مجابهة خطر الفساد العقدي الذي يهدد المجتمعات ويقوض أركانها ويعرقل مسيرة التنمية بها فإنه من الأهمية بمكان تبني المواجهة العلمية المنظمة للفساد العقدي لتحييد عوامله والكشف عن قنواته وفضح رموزه.
الأجهزة المعنية بمكافحته الفساد العقدي وتجفيف منابعه ومواجهة معتنقيه عليها الأخذ في الاعتبار أنه يتجذر في مختلف مؤسسات المجتمع وضمن سلوك بعض الأفراد، وتكتنفه ضبابية تحد من فعالية هذه الأجهزة في التصدي لها.
تتخذ الحكومة خطوات حثيثة وإجراءات جادة للسيطرة على الفساد العقدي وان كان يحتاج ذلك لبعض الوقت وذلك لخطورة هذا التيار الذي يسيطر على أذهان معتنقيه ويدفعهم للتضحية بأرواحهم في سبيل تنفيذ الأهداف التي تملى عليهم بتعصب وتهور تحت زيادة التأثير عليهم من مرجعياتهم الدينية غير السوية التي تؤسس لهم وتصدر لهم الفتوى التي يعتبرونها المنهج التطبيقي الواجب إتباعه.
التركيز على رموز ومنظري ومصدري الفتاوى والممولين لهذا الفساد العقدي، وتبني خطاب ديني معتدل مفتاح الحل الجوهري لإيقاف مد هذا الفساد العقدي الذي يهدد التنمية المستدامة ويأتي على مقدرات الوطن والمواطن ويعيق تقدم وتطور الإنسان محور التنمية وجوهرها.