د. أحمد الفراج
كتبت في المقال الماضي عن الثأر الأمريكي، الذي أعقب أحداث سبتمبر 2001، وذكرت أن ضرب أفغانستان والعراق ربما كان البداية، فقط، لحفلة انتقام طويلة الأمد، وأشرت بهذا الخصوص لما سبق أن كتبته في هذه الجريدة عن تصريح الجنرال، ديفيد باتريوس، والذي قال فيه نصاً: «ثمان سنوات وثماني تقسيمات»، وذلك رداً على صحافي سأله عن المخططات المستقبلية بعد احتلال العراق، ولا يستطيع المحلّل والمتابع أن يفصل غزو العراق واحتلاله عن ثورات الربيع العربي، فاحتلال العراق كان هو بداية الشرارة لتمزيق هذا العالم المنكوب، وتجزئته على أسس طائفية ودينية وعرقية، وذلك كي لا تصبح إسرائيل معزولة في محيطها، إذ ستكون مثلها مثل كثير من الدول المجاورة، المبنية على ذات الأسس العرقية والدينية!! ولكن مهلاً أيّها القراء، هل إسرائيل، وحدها، هي المستفيد من تقسيم العالم العربي؟!
هل يمكن القول إن غزو العراق، والثورات العربية التي لا تزال نارها مستعرة هي جزء من «الانتقام» الأمريكي على أحداث سبتمبر، وهي تخدم إسرائيل، ولكن تطورات الأحداث، هذه الأيام، تشير إلى أن الأمر أعمق مما نعتقد، فقد يكون هناك مخطط للانتقام من أهل «السنة»، والذين تربط التقارير الغربية تنظيم القاعدة بهم، والقاعدة هي التي فجّرت في نيويورك، إذ لا يمكن أن تخسر أمريكا المليارات، وآلاف الجنود حتى تسلّم العراق لإيران، كولاية إيرانية، فمثل هذا الاعتقاد يدخل في باب «السذاجة» السياسية المفرطة، كما لا يمكن أن يكون التسامح الأمريكي مع بشار الأسد، رغم قتله لشعبه بالأسلحة المحرَّمة نوعاً من العجز، إذ بإمكان أمريكا أن تطيح بالأسد خلال أيام، كما فعلت مع صدام حسين، ورغم أنف روسيا والصين، فمنذ متى ترضح الإمبراطورية الأمريكية لأي أحد؟! ومن الذي تساهل مع علي عبدالله صالح، وهو يدعم الحوثين المحسوبين على إيران ليحتلوا اليمن، تحت نظر استخبارات العالم؟!!
لماذا تلاحق منظمات حقوق الإنسان المملكة العربية السعودية، وغيرها من الدول السنية، ولا تشجب ذات المنظمات تلك المجازر التي تقوم بها إيران في الأحواز، وغيرها، ومن الذي يشجع التنظيمات الإرهابية لزعزعة استقرار مصر؟! ويرفض تصنيف تلك التنظيمات بالإرهابية؟!! ومن الذي يموّل الفوضى في ليبيا، ويدعم ميليشياتها؟!! ولماذا يصر باراك أوباما وأركان إدارته على تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران، وأوباما ليس رئيساً لجمهورية صغيرة، يتصرّف كيفما يريد، بل هو ينفذ سياسات متفق على خطوطها العريضة سلفاً، فأمريكا بلد مؤسساتي عريق، لا يحكمها الرئيس وحده؟!! ثم ما هذا التسامح الأمريكي العجيب مع انتهاكات حزب الله في سوريا، وأخيراً، وبعد كل ذلك، هل يصح أن نقول إن أحداث سبتمبر، وربط تنظيم القاعدة بالمذهب السني هو المحرك وراء انجراف أمريكا مع إيران ومخططاتها في المنطقة، وذلك كجزء من حفلة «الانتقام» الأمريكية ضد السنة؟! وإلى أين سينتهي هذا كله؟! وهل نرجع للتاريخ، ونتذكّر مقولة الصحابي الداهية عمرو بن العاص، رضي الله عنه، عن الروم، والروم هم الغرب حالياً، إذ يصفهم بالقول: «إنهم أحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة»، ولكن، وبحول الله، ستكون عاصفة الحزم هي الصخرة التي ستتحطّم عليها مخططات الأعداء، سواء المعلن منهم، أو من يشجع عن بعد!!