رقية الهويريني
أحرص على قراءة صفحة (ذاكرة الجزيرة) التي تعيد الصحيفة نشرها حالياً، فتنقلني لعصر ليس بالبعيد زمناً ولكنه بعيد شكلاً ومضموناً!!
وقد قرأت التصريح القديم المنشور في العدد (7984) بتاريخ 8 أغسطس 1994م، بعنوان
(هدفنا بيجر لكل مشترك)! وفيه يكشف وكيل وزارة البرق والبريد والهاتف للتشغيل والصيانة فؤاد أبو منصور في حديث خاص بأنه سيبدأ التشغيل الفعلي لتوسعة خدمة النداء الآلي (البيجر) في مدينة الرياض بنهاية عام 1415هـ، بسعة 150 ألف خط نداء، على أن يتم تغطية ست مدن جديدة بالخدمة لاحقاً. وأبدى رغبة الوزارة لخدمة أكبر عدد ممكن من المشتركين!!
وقد مر على نشر هذا الخبر ما يزيد عن عشرين سنة، كان الطموح الاتصالي لا يتعدى (بيجر) وهو وسيلة تواصل من طرف واحد! وأذكر حينها أنه دخل في حيز البيع والتداول عن طريق السوق السوداء، ووصلت أسعاره مبالغَ كبيرة. وبرغم أنني كنت من المحظوظين بشراء جهاز بيجر آنذاك عن طريق اسم (وسيط رجل) حيث لم يكن يسمح للمرأة بشراء مثل هذه الأجهزة الحساسة باسمها! ورغم ذلك فإنني لم أهنأ به بنفسي بل كان وسيلة تواصل مع السائق، ورافق ظهوره انتشار أغان خاصة بمن لديهم بيجر!! ولم يكن يسمى بذلك تحرجاً من سخط أهل اللغة العربية بل كان يطلق عليه النداء الآلي!!
ولو كان هناك سبر للتحول التاريخي المترتب عليه تغيراً اجتماعياً لكانت ثورة الاتصالات هي نقطة الصفر، فقد أحدثت نقلة اجتماعية نوعية، وأعني بذلك الهاتف المحمول الذي نقل المجتمع من مغلق بشدة إلى مفتوح بقوة، فلم يكن الجوال وسيلة تواصل صوتي فحسب بقدر ما تحول إلى وسيلة تواصل اجتماعي قراءة وكتابة وصوتاً وصورة، لاسيما بعد تزويده بالتطبيقات المتعددة التي جعلت المرء لا يحتاج إلا لجهاز صغير بحجم كف اليد ليستطيع قضاء أموره كلها حتى بالبيع والشراء ومعرفة اتجاهات الطريق عبر تطبيق الخرائط، بل والتعرف على الطرق المزدحمة في المواصلات، وأحوال الطقس اليومية واللاحقة.
وربما تظهر مستجدات مستقبلية تحيل جهاز الجوال للتندر، ونعود لنقرأ في (ذاكرة الجزيرة) عن توقف خدماته التي لا تساير العصر!
الجميل في الأمر أنه خلال عشرين سنة تحولت وزارة البرق والبريد والهاتف إلى مسمى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات كمسمى حديث يتماهى مع روح العصر! وتلاشى البيجر نهائياً بينما بقيت صحيفة (الجزيرة) باسمها، تكبر وتتمدد ولكنها لا تهرم!