محمد سليمان العنقري
قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء لايزال هو المحور الأبرز في النقاشات الدائرة بالوسط الاقتصادي بل في عموم المجتمع ومايبرر ذلك أنه يمثل تحولا مفصليا في أساليب الاستثمار السائدة منذ زمن طويل بتجارة الأراضي التي تمثل النسبة العظمى من حجم السوق العقارية فما زالت الآراء متباينة بين من يرى فيها حلاً جذرياً لمعالجة ملف الإسكان ويمثلون السواد الأكبر وبين من لايرى فيها أي تأثير سريع بحلول الملف بل يرون أن لها آثاراً سلبية متعددة.. وسنركز على آراء الطرف الذي يقرأ آثارها بمنظار سلبي لأن الحديث عن إيجابيتها أشبع طرحاً وتفصيلاً فأحد الطروحات التي قدمت ذكرت بأن المستفيد الأخير سيتحمل تكاليف الرسوم حيث إنها قد تضاف لسعر المتر في السوق وهذا الرأي مخالف للواقع حيث إن مبدأ ارتفاع الأسعار أساس لم يكن بسبب أي تكاليف أو رسوم أو ضرائب على الأرض بل كان بسبب احتكارها لسنوات طويلة دون أي إجراء يمنع ذلك ويفرض تطويرها لتتداول وتتحول لمنتج عقاري سكني أو تجاري أما السبب الآخر فهو المضاربات إذ إن ارتفاع أسعار الأراضي لعدة أضعاف في ظرف سنوات قليلة لا تتعدى العشر سنوات لا يمكن أن يعكس كله قيمة استثمارية وفق معايير الاستثمار التي تأخذ بعين الاعتبار القواعد والنظريات التي يبنى عليها قرار الاستثمار المتعارف عليها عالمياً بكل أنواع القنوات الاستثمارية فالارتفاعات تحققت بسبب ظروف لا تعتبر أساساً لقياس الفرص الاستثمارية مقارنة بحجم ارتفاع الأسعار فقد تخطت الارتفاعات أي قيمة تحفظ قيمة الأصول على المدى المتوسط والبعيد كالعائد المتوقع من التأجير والمقارنة أيضاً مع أسعار الفائدة المستقبلية التي يتوقع أن تبدأ بالارتفاع من هذا العام ففرض الرسوم إذاً ليس سبباً في الارتفاعات السابقة وسيقلب المعادلة من خلال أن التكاليف على مالك الأرض خصوصاً للمساحات الكبيرة ستزيد من حركة البيع والتخارج لصالح البحث عن التطوير وبالتالي زيادة العرض وإذا كانت الرسوم سترفع الأسعار فلماذا يعتبرها من يرى ذلك من بعض تجار العقار أو العاملين في القطاع سلبية فهم لن يتضرروا بهذه الحالة كما يتصورون لتأثيرها بالسوق وهو ما يثير علامة استغراب كبيرة.
أما الرأي الآخر الأكثر غرابة فهو ما يتردد عن أن هبوط الأسعار الحاد بالعقار والأراضي تحديداً قد يتسبب بكارثة أو أزمة اقتصادية وهنا لابد من التذكير بأن انخفاض الأسعار الحاد للسلع والأصول هو نتيجة لارتفاعها الكبير جدا فسبب انهيار سوق الأسهم عام 2006 م كان بسبب الارتفاعات التي ولدت الفقاعة فكارثة السوق المالي لم تكن بسبب الانخفاضات القاسية بل ردة فعل للارتفاعات بأسعار الأسهم، فالمشكلة إذاً بأسباب ساهمت بوصول أسعار الأسهم لمستويات غير مسبوقة فقدت معها قيمتها الاستثمارية وبالتالي إذا لم تتوقف ارتفاعات أسعار العقار التي تمثل الأراضي السبب الرئيس فيها فإن تكرار ما حدث بسوق الأسهم يصبح وارداً بوقوع الكارثة الاقتصادية ولذلك تعد المعالجات الحالية ومن أهمها فرض الرسوم تحصين من الوصول للكارثة أو الأزمة الاقتصادية -لا سمح الله- خصوصاً أن التمويل العقاري لم يتوسع إلى الحجم الذي يشكل خطراً على النظام المالي في المملكة فهو لايزال في مستويات تشكل حوالي 12 بالمئة من حجم سوق التمويل بمختلف أنواعه.
أما الرأي القائل بأن نظام التمويل الذي أقرته مؤسسة النقد بأن لايغطي التمويل للعقار أكثر من 70 بالمئة من قيمته يعد عائقاً أمام المواطن للتملك ممن يحتاجون للقروض فهو بعيد عن الواقع فمن المعروف أن النظام المالي بالمملكة يعد من أقوى عشر أنظمة في العالم نتيجة للتحوط والرقابة عليه من قبل مؤسسة النقد والذي تم التركيز فيه على تقليل المخاطر فرفع نسبة التغطية لأعلى مما أقر يعد خطراً كبير على الممولين وعلى المقترضين مستقبلا بل إن سبب أزمة الرهن العقاري بأميركا كان أحد أهم أسبابه التهاون بالمخاطر ورفع نسب التغطية بالإقراض كما أن منح المقترض كامل قيمة العقار أو نسب عالية جداً منه يشكل خطراً عليه لأن حجم المبلغ المقتطع من دخله سيرتفع وكذلك المرابحة على مبلغ القرض مما يرفع من احتمال تزايد المتعثرين وبذلك فإن الأزمة بالقطاع المالي ستزيد احتمالاتها أكثر وهو ما سينعكس بأضرار بالغة على الاقتصاد عموماً.
مع احترامنا لكل الآراء بمعزل عن مصدرها وهل هو صاحب مصلحة من طرحها كأمر طبيعي نسمعه بكل دول العالم عندما يصدر أي تنظيم إلا أن المنطق يفرض نفسه فموافقة مجلس الوزراء الموقر على توصية مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية بفرض رسوم على الأراضي البيضاء لم تكن إلا بعد دراسات اكتملت عناصرها المبررة لفرض الرسوم واعتمد فيها على جهات عالمية المستوى أخذت بعين الاعتبار الإيجابيات والسلبيات حتى توصلت إلى الاتجاه الصحيح حول طرق تصحيح وتنظيم القطاع العقاري لكي يصبح صناعة متكاملة ويعد فرض الرسوم عامودها الفقري الذي ستكتمل حلقاته مع بقية الأنظمة المنتظرة المكملة لتحفيز السوق العقارية لتكون ركيزة أساسية في التنمية من حيث حل ملف السكن وجذب الاستثمارات ورفع نسبة مساهمة قطاعات الصناعة والخدمات بالاقتصاد وتوفير فرص عمل جيدة التي بمجملها ستنعكس إيجاباً على الاقتصاد والمجتمع عموماً.