د.عبد الرحمن الحبيب
ألم تسأل نفسك يوماً هذا السؤال: عندما يشيع توقع بُني على أسس سليمة ونال قناعة لدى كثيرين، ألا يؤثّر هذا التوقع في عقلية أصحاب القرار وبالتالي تتأثر قراراتهم وتتغيّر فيتغيّر مسار الأحداث ومن ثم قد يحدث خلاف هذا التوقّع؟
عندما يتفق الخبراء على توقّع ما، ينتج عنه ردود فعل جديدة ليست في حساب توقّع هؤلاء الخبراء.. ألا تؤثّر أحياناً توقعات خبراء الاقتصاد في مجرى الأسعار في السوق فلا يحدث التوقع بسبب ردود الفعل الجديدة؟ مثلاً عندما يقول الخبراء بأن المعروض في سوق النفط سيستمر بالزيادة وسينخفض السعر، ويؤكدون ذلك مراراً وتكرارا، أليس من المرجح أن يؤدي ذلك إلى تأثر أصحاب القرار بالدول النفطية مما قد يقرر بعضهم عدم المضي قدماً في حفر الآبار، فينتج عن ذلك انخفاض المعروض من النفط ومن ثم ارتفاع سعره بفترة أقصر كثيراً مما توقعه الخبراء؟
ثمة تساؤل آخر، هو أن التوقع غالباً يُبنى على أساس عدم وجود مفاجآت، لكن كما يقول المثل الإنجليزي: «المفاجآت دائماً تحصل»، وإذا كان الأمر كذلك فما مستوى أهمية التوقع؟ بعد إعلان عاصفة الحزم قفز سعر النفط، وبعدها بأسبوع وبمجرد الإعلان عن التوصل للاتفاق النووي مع إيران، هبط سعر خام برنت القياسي العالمي بنحو 4%، وانخفض لأقل من 55 دولاراً للبرميل (رويترز). هذا الانخفاض هو نتيجة التأثر النفسي وليس الواقعي، لأن تأثير النفط الإيراني على الواقع المادي للسوق يتطلب وقتاً.
في كل الأحوال، لا مفر من التوقع، وهنا سؤالان رئيسيان يدوران الآن حول النفط هما: ما هو مستقبل سعر النفط بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران؟ ولماذا تزيد السعودية إنتاج النفط رغم وجود الفائض؟
إجابة على السؤال الأول، قالت الحكومة الأمريكية إن أسعار النفط الخام قد تنخفض 5 دولارات إلى 15 دولاراً للبرميل عن المتوقع في 2016 إذا رفعت العقوبات النفطية المفروضة على إيران (رويترز). وقال خبراء بشؤون الطاقة إن التوصل لاتفاق قادر على إحداث تحول كبير بأسواق الطاقة العالمية على المدى الطويل، ولكن أي تأثير ملموس على السوق الذي يعاني من وفرة المعروض لن يظهر قبل 6 أشهر على الأقل، وربما أكثر من عام.
يرى محلّلون في قطاع الطاقة أن هناك ثلاثة عوامل تحدد مصير زيادة صادرات النفط الإيراني بالأسواق العالمية وتتمثّل في: التوصل لاتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل في يونيو المقبل، ورفع العقوبات الغربية في وقت لاحق، ووتيرة الانتعاش في قطاع النفط الإيراني المتعطّش للاستثمار.
لكن ما كمية النفط الذي يمكن أن تضيفه إيران للأسواق؟ المتوقّع أن تضيف مليون برميل يومياً إضافة إلى وجود فائض يومي بنحو 2 مليون برميل في السوق العالمية. ذلك من شأنه أن يشكل مزيداً من الضغوط على أسعار النفط، التي انخفضت بنحو 50% منذ يونيو الماضي. ونقلاً عن محللين في مجال الطاقة ذكروا أنه من غير المرجح أن تزيد إيران واقعياً الإنتاج بأكثر من نصف مليون برميل يومياً إضافي بحلول نهاية عام 2016، (نيويورك تايمز). ورغم أن شركات النفط الدولية خاصة من أوروبا وروسيا والصين، أبدت اهتماماً في العودة إلى إيران لتنشيط صناعة النفط، لكن الأمر قد يستغرق سنوات من المفاوضات والتخطيط.» ستكون وتيرة عودة شركات النفط إلى إيران بطيئة للغاية.. الأمر يستغرق عاماً على الأقل» كما قال دراجان فوكوفيتش، رئيس خدمات نفطية تعمل في الشرق الأوسط لصحيفة نيويورك تايمز.
ننتقل للسؤال الثاني: أليس غريباً أن تزيد السعودية من إنتاجها إلى رقم قياسي فيما هناك فائض بالسوق؟ كم هي هذه الزيادة؟ يقول وزير النفط السعودي علي النعيمي إن انتاج السعودية من النفط الخام وصل في شهر مارس إلى 10.3 مليون برميل يومياً (وكالة الأنباء السعودية). هذا رقم قياسي يمثّل زيادة قدرها 450 ألف برميل يومياً على إنتاج شهر فبراير. وكان الرقم القياسي السابق 10.285 مليون برميل يومياً، قد سُجل في عام 1980، حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
الآن ينظر المراقبون لقطاع الطاقة في العالم في ذهول، فبينما هناك هبوط كبير في منصات الحفر بالولايات المتحدة، تقوم السعودية بزيادة عدد منصات الحفر بحثاً عن النفط والغاز على الرغم من التراجع الحاد لأسعار الخام (رويترز). فما هو حل هذا اللغز؟
الإجابة واضحة: السعودية تتطلع إلى ما بعد تراجع أسعار النفط العالمية حين يشهد السوق نقص المعروض، حسبما يقول محللون في صناعة النفط (رويترز). المقصود هنا دورة النفط: يزيد العرض فتنخفض الأسعار، ثم يقلّ الإنتاج ومعه يقل العرض، فتعود الأسعار للارتفاع. ولأن السعودية تتصف بقدرتها المتميزة على زيادة إنتاج النفط على وجه السرعة في أي وقت فإنها حريصة على الحفاظ على ما يعرف بفائض طاقتها الإنتاجية.
السعودية تقوم بدور رائد عالمياً في تخفيف نقص المعروض العالمي من النفط عبر عدم تقليص فائض الطاقة الإنتاجية. وكان النعيمي قد توقع تواصل السعودية إنتاج حوالي عشرة ملايين برميل يومياً، وأن الأسعار سترتفع، ملمحاً إلى أن السعودية مستعدة للمساعدة في تحسين الأسعار، ولكنها بحاجة إلى تعاون المنتجين من منظمة أوبك وخارجها.
وكانت السعودية تضخ بحدود 8.2 مليون برميل يومياً خلال عامي 2009 و2010 ثم بلغ أكثر من 9 ملايين برميل منذ منتصف عام 2011. وكانت الأحداث آنذاك مثل الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011 اختباراً لقدرة السعودية على زيادة الإنتاج للمساعدة في تخفيف نقص المعروض العالمي..
لكي تحقق السعودية قدرتها المتميزة في ذلك يتعين عليها أن تزيد أعمال الحفر بدرجة كبيرة عمّا كانت عليه. يقول جاري روس الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات النفطية «بيرا» في نيويورك: «تبدو زيادة أعداد منصات الحفر السعودية وكأنها إشارة إلى صناعة النفط مفادها فلنكن راشدين. إننا سنحتاج إلى نمو المعروض في المستقبل.»
ثمة تأكيد بأن سعر النفط سيعاود الارتفاع.. لكن متى؟ الإجابة عبثية، فالتكهن بأسعار النفط أصبح أقرب إلى التخرصات، نتيجة تداخل العديد من المتغيّرات التي تلعب دورها في التأثير في الأسعار.. إنه اقتصاد السوق الحرة..