ناصر الصِرامي
«من يواجه نفسه في المرآة يعرف كل شيء، ومن يحب المرايا المقعرة أو المحدبة، سيرى ما يريد أن يرى، ولكنه، وفي اللحظة التي تزاح فيه المرايا الكاذبة عن وجهه، سيفاجأ بملامحه الحقيقية ولن يُبْصِرَ خلف ظهره مناظر الحقول الخضراء المزوَّرة التي كانت توضع للتزيين خلفه، بل سيرى الدخان والخراب، الذي انشغل عن إخماده، بمحيا وجهه المزور في مرآة الكذب، فمن يريد أن يرى حقاً؟».
هكذا ختم الزميل مشاري الذايدي في مقال طويل بصفحة الرأى، بجريدة «الشرق الأوسط»، في26 يونيو 2007م، وقبل أن ينتقل مؤخراً لكتابة المقال القصير شبه اليومي، في الصفحة الأخيرة من نفس الجريدة.
وقتها وهو يدفع بتلك الفقرة الأخيرة من المقال للنشر، لا أعتقد أنه كان يتوقع أبداً أن تتحول المرايا إلى عاصفة، عاصفة في إطار عاصفة الحزم وحولها..!
الخميس الماضي، قدمت قناة العربية أول حلقات برنامج يومي مختلف وجديد للزميل مشاري الذايدي، وباسم «مرايا»، فكرة مغايرة تماما، لا تتجاوز العشر دقائق، مع سيل مكثف من المعلومات، وتقاطع للمواقف والصور والفيديوهات والجرفك، تضع الواقع الحالي المرتبط بعاصفة الحزم وتداعياتها وتأثيرها وردود أفعالها ومواقفها في مواجهة المرايا.. لترى الصورة مكتملة.
أنت حقيقة لن تشاهد برنامجاً تلفزيونياً تقليدياً، لكنها صيغة جديدة للمقال التلفزيوني الغني فنيا، حيث يمثل حقيقة النسخة المبتكرة من المقال التلفزيوني الفعال في عصر الفضاء. والذي يتعاطى مع تداعيات الأحداث الراهنة، وجذورها، ويتتبع تصريحات ومواقف القادة والسياسيين، والزعماء الدينيين بالتحليل والرصد والنقد، معتمدا على الرأي السياسي، لكن بشكل لا يخلق رأياً خاصاً من الفراغ، وإنما عبر توثيق مقاطع فيديو وصور، ضمن رسالة تهدف إلى التنوير الثقافي والسياسي الممتزجة بالسجال السياسي والفكر الراهن، وتحديداً كل ما يتعلق بعاصفة الحزم.. في مرحلة الحزم.
من المصادفة، أن الأديب والوزير السعودي والصحفي -أيضا- الراحل غازي القصيبي عاد في نفس هذا الوقت من العام الماضي، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على رحيله، إلى الأضواء مجدداً، عبر كتاب يجمع مقالات كتبها قبل نحو ربع قرن.
الكتاب المنشور يحمل عنوان «في عين العاصفة». وهو بالمناسبة نفس عنوان الزاوية التي كتبها القصيبي في صحيفة «الشرق الأوسط» أثناء غزو صدام حسين دولة الكويت. وقيام تحالف دولي وعربي لطرده منها وإعادة الشرعية لأهلها. وأول تلك المقالات نشر في 20 آب (أغسطس) 1990، واستمرت لنحو عام. في زاوية مثيرة وملفتة شبه يومية في جريدة «الشرق الأوسط».
كانت مقالات القصيبي، آنذاك تنويرية للعامة، مثيرة للجدل لدى السياسين، تفتح العيون على خزعبلات المثقفين والدعاة، وتعيد تسمية الصور والمواقف بتجريد حاد ومباشر. ارتفع معها سقف النقد السياسي وكان لوحده قبيلة إعلامية في مواجهة قبائل العرب الأخرى.
مرايا.. مشاري الذايدي، على قناة العربية، تشبه تماما تلك السجالات، لكن في عصر الفضاء والتواصل الاجتماعي والتطبيقات التقنية الاتصالية التي تملأ حياتنا اليوم.
الرسالة التنويرية والمعرفية واحدة، الفرق في الوسائل، أما العاصفة فهي عينها.. كما في المرايا تماماً