ناصر الصِرامي
من قصر العوجا كانت هناك أكثر من رسالة، بل ومن قبل ذلك بكثير، كانت البيانات السياسية الخليجية بلغتها الدبلوماسية المعروفة توجه لمليشيات الحوثيين الذين خالفوا كل الاتفاقات الخليجية والاقليمية والدولية، انقلبوا على العملية السياسية في وضح النهار، ووضعوا المقرات الحكومية تحت قياداتهم الثورية التي أصبحت سلطاتها الإدارية والتنفيذية أكبر من أي وزير أو وزارة أو مؤسسة حكومية.
حالة فوضى ضربت اليمن بفعل الحوثي المتجاوز لكل شيء تقريباً، مليشيات مارست الترويع والقتل والنهب، وألغت تماماً مؤسسات الدولة، ووجودها الاعتباري، حاصرت الرئيس، سجنته، وسجنت رئيس الوزراء المكلف، وضعت قيادات عسكرية ومدنية تحت الإقامة الجبرية، انقلاب كامل على كل مؤسسات الدولة اليمنية الشرعية. لقد سجنوا الدولة بعد أن اختطفوها!
لم يكن اليمن يستعد لشيء آخر، غير الخراب الحوثي المدعوم بقوة من الخارج، وتحديداً، وكما في كل حالة فوضى في الوطن العربي، كانت إيران عسكرياً وسياسياً هي يد الخراب في الأرض العربية، أصبح الحوثي فرصتها الذهبية، أو هكذا كانت تعتقد، للوصول إلى الجزيرة العربية، لعمقه، ليمن العرب.
بين شواطئ البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، كانت الصورة واضحة لدول الخليج وقادته، لكن العمل السياسي والدبلوماسي كان الأولوية، لا أحد يريد أن يتحول النزاع إلى مساحة أوسع، ظل الأمل باقياً في عملية سياسية تعيد الأمور إلى نصابها، وتعيد هيبة الدولة اليمنية بقيادة رئيسها الشرعي هادي.
كل النداءات الدولية والاقليمية سقطت أمام عجرفة مليشيات الحوثي، أمام حلمه الإيراني بتمدد النفوذ الجغرافي، لدرجة رسم خريطة دولته المستقبلية كما يتخيلها، والتي تمتد من جنوب اليمن، إلى ان تصل إلى حدود وادي الدواسر في عمق المملكة العربية السعودية، ليس ذلك وحسب، بل قام أيضاً بمناورات وبدعم إيراني -كالعادة- بالقرب من الحدود السعودية، فيما كانت المملكة ودول الخليج تدعو إلى الحوار ومواصلة العملية السياسية.
رفض الدعوة الخليجية والدولية لحوار موسع في الرياض مع كل القيادات اليمنية، تفوقه الفج والمتعجرف على الأراضي اليمنية، جعله يصدق اسطورته!، اعقد أنه وطهران من يتحكم في كل المشهد السياسي والعسكري بشكل مطلق، لذا رفض أي حوار، لماذا الحوار وهو مسيطر على البر والبحر والجو، وأي حوار مع من لا يعترف بوجودهم أصلاً!
الغوا الدولة كلياً، ولم يبق إلا تصفيتها نهائياً. هجموا على عدن، لقتل الرئيس الشرعي هادي، ثم لا رئيس في اليمن بعد اليوم، هكذا كان الهدف دون أي حدود أو أخلاقيات أو اعتبار للعالم، وهو تحديداً ما تفعله كل مليشيا تابعة وتدار من إيران.
الوضع كارثي، والخطط المرسومة في طهران لن تبقي المنطقة آمنة للأبد، والشعب اليمني سيعيش حالة تفتت وقمع خطر، كل المعادلات والاستنتاجات من سلوك الحوثي العنيف والمتعجرف، والدعم الإيراني العلني.
كل ذلك أيها السادة وضع المنطقة أمام اختيارات صعبة، لكن في التاريخ قصص وحكايات تحتاج إلى الفصل، إلى الحزم، إلى تصحيح ما يمكن تصحيحه، أو إلى الصفع أحياناً لإيقاظ كل صاحب كابوس من غثاء خياله!.
«الحزم أبو العزم أبو الظفرات.. والترك أبو الفرك أبو الحسرات»، قالها الملك عبدالعزيز.
لذا جاءت عاصفة الحزم بقيادة سعودية، منسقة عسكرياً وسياسياً بشكل ملفت ومهم، فالجامعة العربية مع الحزم، وردود الفعل الدولية على كرتنا الأرضية مع الحزم، وكل الدبلوماسية الدولية مع الحزم، باستثناء إيران وحيث ما تحكم (سوريا، العراق، وبدرجة أقل بقايا البوتنية في روسيا).
لم يسبق أن تم بناء جبهة عربية وإسلامية سياسياً وعسكرياً على هذا النحو المتماسك والمتفق عليه، لم يسبق لقوة عربية وحلف عربي عسكري أن فعل في التاريخ القريب وبهذا النوع من التكامل ما تفعله عاصفة الحزم، في زمن لا مجال فيه إلا للحزم، وتصحيح التاريخ قبل ان يخطف مساره!
جبهتنا الداخلية السعودية، لم تكن أبداً بهذه الوحدة والتماسك والحزم أيضاً، في مواجهة خطر كما هي الآن ضد جماعة ومليشيات الحوثي الإرهابية وأفعال إيران وتبجحها في المنطقة العربية.
عاصفة الحزم خلقت أجواء عامة جديدة عربية وعروبية، ستجعل الكثير من عملاء إيران- واصدقائها يفكرون كثيراً في حقيقة عروبتهم، ومصالحهم القومية، ففضائح إيران العسكرية ولعبتها الطائفية في مواجهة حقيقة الآن مع الحزم العربي دون مذهبية أو طائفية.