فضل بن سعد البوعينين
تبرز أهمية الإعلام الأمني بشكل لافت في أوقات الأزمات؛ التي تحتاج دائما إلى الإدارة الشاملة والتكاملية بين الجهود العسكرية؛ والإعلامية من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية. أجزم بحاجة إعلامنا الأمني للكفاءة والشمولية القادرتين على التحكم في المخرجات؛ وبما يدعم الجهود الدبلوماسية؛ والعمليات العسكرية ويوفر الحماية التامة لرجال الأمن الذين قد يتعرضون لمخاطر متنوعة لأسباب مرتبطة بالمعلومات أو الصور المنقولة.
اهتمت قيادة الجيش الأميركي المشاركة في حرب الخليج الثانية بالجانب الإعلامي؛ وحرصت على تجنيد مصورين محترفين خاضعين لإمرتها؛ وإنشاء إدارة إعلامية متكاملة قادرة على فلترة الأخبار والصور وتنقيتها؛ ومن ثم بثها للإعلاميين ووكالات الأنباء. لم تمنع الإدارة الأميركية الإعلاميين المستقلين من مرافقتها إلا أنها حجبتهم عن المواقع العسكرية بحجة الدواعي الأمنية؛ والحقيقة أنها لم ترغب في إنكشاف عملياتها العسكرية على الإعلام؛ وخشيت في الوقت نفسة توثيق خسائرها البشرية؛ أو رصد مشاهد متعارضة مع القوانين الدولية والأنظمة الحقوقية؛ ما قد يؤثر على سير العمليات؛ والقرار السياسي. عقدت القيادة؛ آنذاك؛ صفقات خاصة مع بعض المحطات الأميركية وفق إتفاقية شرف تسمح لهم بإجازة المواد الإعلامية قبل بثها؛ لضمان عدم تعارضها مع الأهداف المرسومة. برغم الحذر؛ كانت هناك بعض التقارير الإعلامية المؤثرة من خارج منظومة الجيش الإعلامية؛ غير أن دقة التنظيم الرسمي فرضت على غالبية الإعلاميين الإلتزام خشية حرمانهم من مرافقة الجيش في المناطق التي لا يمكن دخولها إلا بإذن وحماية القيادة العسكرية. على الجانب الآخر؛ عملت القيادة السياسية على تحييد مخرجات الإعلام المضادة لسياستها في المنطقة من خلال التوجيه والحضور الإعلامي الرسمي الذي قدم للإعلاميين وجبات دسمة بشكل يومي ما أغناهم عن البحث والتقصي.
برغم حرية الإعلام؛ وانفتاحه؛ إلا أن الإدارة الأميركية نجحت في إخفاء الكثير من الحقائق العسكرية ذات العلاقة بالأهداف والخسائر البشرية؛ وتمكنت قبل ذلك من توجيه الرأي العام لدعم عاصفة الصحراء والسماح للجيش الأميركي بالمشاركة في تحرير الكويت. الأمر عينه تكرر في عملية احتلال العراق؛ حيث نجحت الحكومة الأميركية في إقناع الجميع بكذبة امتلاك العراق أسلحة نوعية مدمرة تهدد الولايات المتحدة الأميركية. أعتقد أن قدرتها الفائقة على (توجيه الإعلام الحر)؛ ساعدها على تحقيق أهدافها بسهولة.
الإعلام؛ بقنواته وأدواته؛ أكثر فتكا من الجيوش والأسلحة النوعية؛ وهو القادر على جمع الكلمة ووحدة الصف؛ وتكريس الأمن؛ أو جر المجتمع بأسره لمواجهات تؤدي إلى انهياره. برغم حرية الإعلام في المجتمعات الغربية؛ يبقى مرتهنا لقوانين مجتمعية وأمنية ووطنية صارمة لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها. حرية الإعلام المنضبط؛ الخاضع للقوانين الشفافة التي تضمن الحرية المسؤولة للجميع؛ وتضعهم في الوقت عينه تحت سطوة القانون وفق النظام المعلن؛ هو ما نحتاجه في السعودية.
هناك فارق بين الرقابة الإعلامية ومراقبة جودة الرسائل وتوافقها مع الإستراتيجية الأمنية الشاملة. الحديث عن الأمن يقودنا إلى دوائر حساسة ينبغي التعامل معها بمزيد من الحذر؛ والدقة المتناهية في مضمون الرسائل الإعلامية؛ خاصة في أوقات الحروب والأزمات.
خلال الأيام الماضية؛ ظهرت بعض الرسائل والصور والفيديوهات الإعلامية المشوهة؛ والمضرة بالوحدة الوطنية؛ والمتعارضة مع بعض القوانين الحقوقية الدولية؛ وهو ما يستوجب التدخل السريع لمعالجتها. غالبية تلك الرسائل بُثت بحسن نية دعما لعاصفة الحزم؛ والقليل منها بُث بخبث ممزوج بالغدر والخيانة.
ما أحوجنا إلى تصحيح مسار الإعلام المؤسسي؛ وضبط مخرجاته؛ وفق الرؤية الإستراتيجية الوطنية؛ والكفاءة المهنية القادرة على التأثير والمواجهة؛ وضبط مخرجات المواقع الإلكترونية التي بات بعضها يشوه المجتمع؛ ويؤثر سلبا على عمليات عاصفة الحزم. فقدان الإستراتيجية الإعلامية الأمنية الموحدة أسهم في عدم قدرة بعض وسائل الإعلام على التعامل بإحترافية مع الأخبار الأمنية الحساسة؛ والأحداث الاستثنائية؛ وظروف الحرب.
أستاذنا علي الشدي؛ رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لكتّاب الرأي؛ طالب في مقالته « إعلامنا .. بعد عاصفة الحزم» المنشورة في الاقتصادية بـ «وضع إستراتيجية جديدة لإعلامنا على أن تجاز من المجلسين الأمني والسياسي ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بحيث تغطي الإستراتيجية الإعلامية جميع الجوانب المهمة خاصة ما يتعلق بأمن المجتمع والوحدة الوطنية»؛ أتفق تماما مع كل ما جاء في مقالته؛ وأناشد القيادة أن يكون لها دور حاسم في تحقيق احترافية الإعلام السعودي وبما يخدم المصالح الوطنية؛ وهو أمر يحتاج إلى وضع «الإستراتيجية الإعلامية» القادرة على التعامل مع المتغيرات والاستفادة من الإمكانات؛ والاعتماد على الكفاءات المتخصصة القادرة على تحقيق الأهداف الوطنية بكفاءة واقتدار.