رقية الهويريني
o يستيقظ الفلاح فجراً ويتوجه لمزرعته، وحين تجلي أشعة الشمس الليل ويبزغ النهار وتشتد الحرارة يُكمل عمله ويتناول باستمراء ولذة ما تيسر له واشتهاه من منتجات مزرعته ثم يضع رأسه تحت ظل نخلة، فلا تسأل عن نومته! لا يشعر بما حوله ويستغرق في نوم لذيذ يستيقظ مستبشراً بنهار جميل، متأملا نتيجة عمل يومه، ناسياً الاستيقاظ المبكر والتعب المضني.
o يمضي لاعب كرة القدم وقته في التدريبات المتعبة ويتعرض لكافة الأجواء المتقلبة، وجميع التوجيهات الجارحة والأوضاع المؤلمة، ثم يزج به لأكثر من تسعين دقيقة في توتر عصيب! ولكنه ما أن يستلم الكأس حتى ينزاح التعب.
o يعاني الطالب المجتهد من الدراسة والتحصيل العلمي ويقابل ظروفاً أسرية واجتماعية قاهرة بتحديات وصلابة، عدا عن أوضاع تعليمية متباينة سواء من إدارة مدرسية أو ضعف أداء بعض المعلمين أو أمراض مختلفة؛ ولكنه يكاد ينسى كل ما واجهه حينما يحصل على درجات مرتفعة تميزه عن غيره وتحقق ذاته، بل إنه يجعل مما مر به ذكرى جميلة يتحدث بها عند كل مناسبة.
o يبذل الوالدان جهدهما في تربية وتنشئة أبنائهما ويسعيان بكل ما أوتيا من قوة؛ فطعام وكساء وسكن لهذا المولود حتى يصبح يافعاً ثم شاباً وحتى كهلاً، وليس أشد من تعب والدين تنتابهما ظروف الحياة من فقر ومرض يقابلهما حيناً بر أو عقوق بهما، ولكنهما لا يباليان لأنهما لا ينتظران المردود لجهدهما المبذول بقدر ما يتطلعان لابن صالح ينفع نفسه ولا يسيئ لمجتمعه.
o كل هذه المشاهد وغيرها من أنواع التعب تنداح وتنتهي طالما أدت لنتيجة؛ بل إنها تنقلب سعادة وبهجة وحبوراً حينما تحقق الهدف المنشود، وحتى في العبادات رغّب الرسول صلى الله عليه وسلم بقيام الليل ومداومة قراءة وحفظ القرآن، وكان السلف يتوقون لصوم الهواجر وهو شدة الحر والتعب والإرهاق لأن أجره عظيم.
o وتشيد العرب بالتعب بمقولة خالد بن الوليد (عند الصباح يحمد القوم السرى) والمعنى: أن الذي يسري ليلاً يحمد مسيره إذا أصبح وطلع النهار بخلاف الذي ينام ليله، فإنه يندم إذا طلَع النهار. ويبقى سر النجاح بل التفوق بمقدار التعب المبذول لتكون النهايات مفرحة وسعيدة!.
o وهي دعوة لمراجعة النفس، والتأمل لإدراك أنه كلما بذل المرء من تعب؛ استمرأ المعيشة.