عبد الله بن محمد الحميدان
إنَّ المتابع للمشهد السعودي في الوقت الراهن سيلاحظ ارتياحاً كبيراً، وشعوراً بالاطمئنان والفخر. ولا عجب فقد أثبتت المملكة العربية السعودية أنها عرين العرب وخط الدفاع الأول لقضايا الأمتين العربية والإسلامية.
فقبل بدء عاصفة الحزم بدأ الشعور بالخوف يتسرب إلى النفوس، وبدأ التهديد للبلاد وأمنها يأخذ منحى جاداً، وكان هناك شعور بالمرارة ليس من السعوديين فقط ولكن من كل عربي تجري العروبة في دمائه. فاليد الفارسية قد عبثت في أكثر من بلد، ولا زالت تعبث بصلفٍ وعناد عجيبين، ووصل شعورهم بالفوقية والتعالي إلى ادعاء سقوط عواصم العرب بيدهم واحدة تلو الأخرى، وأن هيمنة الفرس على الأمة العربية ومقدراتها ليس سوى مسألة وقت هكذا..... وكأن العرب لقمة سائغة، لا كرامة لهم ولا اعتبار، وكأنهم لم يقرؤوا التاريخ، ولم يعلموا عن مدى اعتزاز العرب بأنفسهم، وعن أنفتهم التي أرخصوا دونها أنفسهم وكلَّ غالٍ ونفيس. وكانت المملكة تحاول معهم المرة تلو الأخرى تحكيم العقل، وحل المشكلات عن طريق الحوار والتواصل، وسعت إلى ذلك بشكل عملي وجاد، فعقدت اللقاءات ودعت جميع الأطراف إلى إعادة النظر وتغليب المنطق. لكنهم صموا آذانهم، وبغوا واستكبروا، واعتقدوا أن هذه المواقف إنما جاءت نتيجة قلة الحيلة والضعف والهوان، وعدم القدرة على التصرف، بل وتمادى الحال إلى التهديد المباشر لأمن هذه البلاد، واستقرارها، وحدودها، ومواطنيها، وبشكل واضح وفاضح استفز كل ذي عقلٍ وروية. وبدأ الحديث عن اليمن والتحكم في مفاصله، كما لو كانت هذه الدولة العربية الشقيقة العريقة في عروبتها ولاية فارسية، تدار من ملالي النظام. وفي الوقت الذي تعامل فيه الفرس بهذه الطريقة، كانت المملكة ولا تزال بشهادة أبناء اليمن في علاقة تكاملية مع أشقائها، فبنت في بلدهم المدارس والمستشفيات وشقت الطرق وقدمت المساعدات، وقدم أبناؤها للمملكة معززين مكرمين ليسهموا في مسيرة النهضة، واعتبرتهم المملكة أبناءها، واعتبروها بلدهم الثاني إن لم يكن الأول، وأسهمت سواعدهم المباركة مع إخوانهم في السعودية في البناء والتشييد، والاستفادة من مداخيلهم في رفع مستوى عيشهم وعيش أسرهم في اليمن.
لكن ماذا قدم الطرف الفارسي لليمن؟ الإجابة واضحة وجلية، لقد قدم السلاح وأدوات الفتك والدمار، وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وإيغار الصدور، وإيقاد الفتنة، ونشر الأحقاد، وتأليبهم على بعضهم، وعلى أشقائهم من جيرانهم، ليقاتل الأخ أخيه وجر اليمن إلى أتون الحرب، وتصبح البلاد محرقة لأبنائها، وأوهمتهم نفوسهم المريضة أن ذلك سيجري بينما يلعب السادة في الطرف الشرقي من الخليج العربي دور المتفرج على مشهد الدمار والخراب، وقطف ثمار خططهم لتكون اليمن العربية الأبية ورقة يفاوضون بها لمصالحهم ويكسبون بها المزيد لبلادهم ومواطنيهم.
لقد صدَّق القوم أنهم قوة عظمى، وأنهم لاعب أساسي في المنطقة يكيفونها كيفما شاءوا ومتى ما شاءوا، ونظروا إلى العرب بشتى أطيافهم نظرة دونية ملؤها الاستصغار والاحتقار، وأن ليس للعرب دوراً إلا استجداء الفرس، والخضوع لهم، والائتمار بأمرهم، وهم العاجزون حتى عن فك الحصار الذي أحكم الطوق على رقابهم وبلادهم منذ ثلاثين عاماً.
كل ذلك يجري ولم يتدخل أحد في شأنهم، ولا في بلدهم، مع أن الجميع يدرك هشاشة تركيبتهم، وسهولة خلخلتها، إذا وجدت الإرادة الجادة والعزيمة الصادقة، وهو أمر ليس صعب التحقيق ولا عسير المنال. ولكن ترفع قادة هذه البلاد وأشقائهم عن مثل هذه الأساليب بعقلانية قل نظيرها، فلم يكن هناك حقد على الشعوب ولم يرغبوا أن تعاني ويلات الحروب والتفكك، على أمل أن يعودا إلى رشدهم ويكفوا أذاهم عن العرب والمسلمين.
لكن الصبر تجاوز الحدود وبلغ السيل الزبى، ووصلت الإساءات حداً لا يمكن قبوله، ووصل التهديد مداه، عندما غرروا بفئة شاذة ممن لا يمثلون أبناء اليمن الشقيق لتكون رأس الحربة لإيذاء البلاد والعباد، وخنجراً في خاصرة السعودية، فكان لابد من صد الأذى، وقبر الفتنة في مهدها، حتى لا تُجر جزيرة العرب إلى ما لا يُحمد عقباه، فانطلقت عاصفة الحزم لتضع حداً لكل هذه الإساءات، ولتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وكأني بقادة هذه البلاد وقد تمثلوا بأبيات أبي العلاء عندما قال:
لقد آنَ أنْ يَثْني الجَموحَ لِجامُ
وأنْ يَمْلِكَ الصّعْبَ الأبيَّ زِمامُ
لقد حكَموا حُكمَ الجَهول لنفْسِه
روَيْدَهُمُ حتى يَطولَ مَقامُ
لقد انطلقت هذه العاصفة بأسلوب أذهل الجميع، وقلب التوقعات، وأخل بالمعادلات التي رسمها الجهلة وتوهموا أنها أصبحت حقيقة لا يمكن تغييرها، وإنك لتستشعر الإحساس العارم بالفخر والاعتزاز، ليس من قبل أبناء الجزيرة وحدهم بل في وجدان من كل في نفسه ذرة من العروبة، وفي المقدمة أبناء اليمن الذين عانوا الكثير، وتجرعوا مرارة التدخل والعبث بأبنائهم وببلادهم، وأصبح القوم في قم في حيص بيص كما تقول العرب، وعلت وجوههم الذلة والمسكنة وأيقنوا أنهم لم يكونوا إلا في سراب، وأن العرب وإن تجرعوا الصبر فإنه صبر الكريم المقتدر لا صبر الخنوع الذليل.
ولكن ما الذي يميز عاصفة الحزم عن غيرها ولتكون مصدر فخر للعرب والعروبة؟
إن الإجابة على هذا السؤال لتطول، ولكننا سنعرض لبعض النقاط التي تجيب على هذا السؤال المهم:
أنها جاءت لقصّ رأس الأفعى، الذي بدأ يحاول الدخول إلى الجزيرة العربية ليغرز أنيابه فيها، ويبث سمومه في مفاصلها، لتتخدر ثم يسهل السيطرة عليها. ولكن هيهات، فسيد الجزيرة وحامي حماها الملك سلمان بن عبدالعزيز مدرك لذلك كله، وتصرف في الوقت المناسب بطريقة ألجمت ذوي الأوهام، وأفاقتهم من أحلام اليقظة ليعودوا للواقع ويتعاملوا معه.
أن هذه العاصفة لم تكن قط ضد أبناء اليمن وشعبه، بشهادة أبناء اليمن أنفسهم، بل جاءت استجابة لدعواتهم والتي جاءت بدءاً من قمة هرم الدولة الرسمي المعترف به من قبل الجميع، بعد أن وأصبحت البلاد على حافة الهاوية، وبعد أن استقوت فئة قليلة بالخارج ثم عاثت في الوطن فساداً وتدميراً وضربت بالشرعية بعرض الحائط ولم تر إلا ما يراه أسيادهم في شرق الخليج العربي.
بعد أن تنتهي عاصفة الحزم سيعود لليمن - بمشيئة الله وقوته - اطمئنانه واستقراره، وسيلحق بركب دول الجزيرة العربية، التي نجحت في التخلص من التخلف وخلعت رداء الفرقة والجهل وعكفت على تطوير أبنائها وأوطانها، واليمن لديه جميع مقومات النجاح، فأبناؤه عرفوا بالنشاط وحب العمل، وثرواته متعددة، وسيتعاضد مع بقية دول الجزيرة العربية ليكوِّنوا لحمةً واحدة تعمل على خير البلاد وتقدمها.
هناك شعور كبير بالفخر والاعتزاز بقواتنا المسلحة القوية بالله ثم بأبنائها البواسل، مما يجعل كل سعودي بل وكل عربي مطمئناً إلى وجود قوة حقيقية ستحميه - بعد الله - من اعتداء المعتدين ومن كيد العابثين.
أن عاصفة الحزم وبشهادة جميع المراقبين من الداخل والخارج انصبت على عتاد وسلاح من حمل لواء الاعتداء وشق الصف وخرج عن الشرعية، أما الموطنون والمدنيون في اليمن الشقيق فلم يلحقهم الأذى، وحافظ الحملة على أرواحهم وممتلكاتهم.
من الواضح جداً أن الترتيب لعاصفة الحزم تم بدقة متناهية مما يدل على النظرة الثاقبة والقدرة على التخطيط السليم واستقراء الأحوال والاحتمالات كافة، والاستعداد لمواجهة كل صغيرة وكبيرة بما لا يؤثر على سيرها ولا يعرقل تنفيذها، ولا يؤثر على الوطن والمواطن في شيء، والواقع المشهود والملموس يؤكد ذلك، فحياة المواطنين العادية واليومية لم تختلف في شيء، ولم تتأثر أحوال المعيشة للمواطن أو المقيم، فالأمن -ولله الحمد- على خير ما يتمناه أي إنسان، والأسواق والبيوت عامرة بخيرات الأرض، والخدمات كالكهرباء والاتصالات والمياه وغيرها تُقدَّم على أعلى المستويات، ولولا أن المملكة ودول التحالف أعلنوا عن عاصفة الحزم فلربما لم يعلم أحد عنها لعدم وجود آثار لها، وهو -كما أسلفنا- يدل على أنه قد جرى الإعداد والتخطيط كأحسن ما يمكن أن يكون، وتم تنفيذها بمستويات عالية لا مجال فيها - بتوفيق الله - للأخطاء أو للارتدادات على الوطن والمواطن.
يحق للسعوديين أن يفخروا بالملك سلمان، فقد أثبت أنه رجل دولة قلَّ مثله، وقائد بهر العالم بطريقة عمله وتعامله بهدوء وروية، فلا بيانات مجلجلة، ولا ادعاءات باطلة، ولا تشفي من الآخرين، ولا تهديد ولا وعيد. وهذا هو العقل عندما يتصرف، والحكمة عندما تسيطر، والخبرة المتراكمة، والحنكة في القيادة. ولقد كانت عباراته واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، فلا التفاف ولا تذاكي، ولا لوي لأعناق الحقائق، فجاءت كلماته وعباراته مقنعة حتى لأولئك الذين عرفوا بمواقفهم المناهضة لهذه البلاد وأهلها. ويد الملك سلمان المباركة بتوفيق الله وتسديده، والتي بترت رؤوس الأفاعي، وقطعت الطريق على كل عابث، وأرست دعائم الأمن والاستقرار والرفاهية للوطن والمواطن، هذه اليد تمتد بكل أريحية وحكمة وتواضع لمن يعقل ويرغب في الأمن والسلام بالتواصل والحوار، ومقارعة الحجة بالحجة، وتحكيم العقل، ووزن الأمور بميزانه الصحيح. وآثار ذلك واضحة، فهناك التفاف حول الملك سلمان بالقول والفعل، وتأييد له كرمز للعروبة وداعية للأمن والسلام، ولم يتداع العالم لتأييده من عبث، فلقد رأوا الحكمة فيما يفعله، والمنطق فيما يقوله، وما أقرته جامعة الدول العربية إلا خير دليل.
إن الجميع متفائل بأنه سوف تنجلي -بحول الله- هذه الغمة، وتشرق الشمس بعد الليل المظلم، وسيعود كل إلى رشده، وسينصاع من بغى إلى منطق العدل والحق، وسيكون اليمن مستقراً ومزدهراً، يده بيد جيرانه وأهله في الجزيرة العربية. ونسأل الله - جلت قدرته - أن يحمي هذا الوطن وأبناءه، ويحفظ لهم قائد مسيرتهم ويمتعه بالصحة والعافية، ويحفظ ولي عهده وولي ولي العهد، وكل الثناء والتقدير لسمو وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان والذي يرى فيه السعوديون نموذجاً مثالياً للشاب السعودي الذي حمل ثقل المسؤولية، وكان في مستواها وأدار -بتوفيق من الله - عاصفة الحزم باقتدار ونجاح انتزع إعجاب الجميع وثناءهم، ولا غرو فهذا الشبل من ذاك الأسد. وصلى الله وسلم على نبينا الأمين وعلى صحابته الطاهرين.