سعد بن عبدالقادر القويعي
إعلان التوصل إلى اتفاق بين طهران، والدول الخمس - دائمة العضوية في الأمم المتحدة -، يحمل في طياته العديد من التأثيرات الفاعلة، - سواء - على قدرات إيران النووية، أو على موازين القوى السياسية في داخل إيران، وعلاقاتها الخارجية، - إضافة - إلى انعكاساتها الإقليمية، باعتبار أن إيران لا تنظر إلى ملفها النووي بمعزل عن دورها الإقليمي، دون أن يكون هناك احتمال، لتقليص بروز قوة عسكرية نووية إيرانية، ترتبط في الدرجة الأولى بخارطة المعادلات السياسية، والعسكرية، والإقليمية.
رغم أن العداء للشيطان الأكبر، هو أحد المصادر الأساسية لشرعية النظام الإيراني - منذ قيام ثورة الخميني -، واعتبارها خطاً أحمر لا يجب تجاوزه - كما يدّعي خامئني -، إلا أن العالم كان على موعد، لإعلان نجاح المفاوضات بين إيران، والدول الكبرى حول الملف النووي في جنيف، والاحتفاظ ببرنامجها النووي بمكوناته الأساسية، مع إيجاد بعض الآليات لضبط البرنامج، لكنها ستظل - في نهاية المطاف- مرهونة بمدى التزام إيران بالبنود المتفق عليها.
كان الهدف من المفاوضات - الجارية منذ نحو 18 شهراً -، هو التوصل لاتفاق، توقف بموجبه إيران الأنشطة النووية الحساسة - لمدة عشر سنوات على الأقل -، مقابل رفع العقوبات، على أن يكون الهدف النهائي، هو إنهاء مواجهة إيران النووية المستمرة - منذ 12 عاماً مع الغرب -، وخفض مخاطر اندلاع حرب في الشرق الأوسط. وتشير التقارير الصادرة في هذا الشأن، إلى أن حقائق أمريكية قد كشفت، أن إيران وافقت على أن تخفض بشدة عدد أجهزة الطرد المركزي، التي تستخدمها في تخصيب اليورانيوم من 19 ألف جهاز إلى 6104، وستقوم بتشغيل 5060 منها - فقط -.. - وبالتالي - ستحظى إيران بتخفيف تدريجي للعقوبات الأمريكية، والأوروبية المتصلة بالبرنامج النووي، مع إظهارها الالتزام بالاتفاق النووي الشامل، الذي تسعى إيران والدول الخمس الكبرى، لإنجازه بحلول 30 حزيران - يونيو - المقبل -.. وطبقاً للتقرير، فإن هذه العقوبات سيُعاد فرضها سريعاً، في حالة إخفاق طهران في الالتزام ببنود الاتفاق.. وأضاف: أن عمليات التفتيش القوية لسلسلة إمداد اليورانيوم في إيران، ستدوم 25 عاماً.. وجاء في التقرير - أيضاً -، أن إيران وافقت على عدم تخصيب اليورانيوم فوق معدل 3.67% لمدة 15 عاماً - على الأقل -، وأنها وافقت - أيضاً - على تقليص مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب، البالغ عشرة آلاف كيلوغرام إلى 300 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، بنسبة 3.67% لمدة 15 عاماً، كما أشارت إلى موافقة طهران على عدم بناء أي منشآت جديدة، لتخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاماً.
في المقابل، فإن حجم التنازلات الغربية فيما يخص العقوبات، والحصار الدولي لا يُعرف، حيث تُطالب إيران - وفق تعليمات المرشد الأعلى - علي خامنئي، برفع العقوبات دفعة واحدة، وبشكل نهائي، أو - على الأقل - بفترة زمنية قصيرة جداً.. أما أبرز المكاسب في هذا الموضوع، فيشير إليها - الأستاذ - جمال محمد، بأن النفط يأتي في مقدمة هذه المكاسب، والذي يمكن أن يصل إنتاجه إلى أربعة ملايين برميل يوميًا - في أقل من ثلاثة أشهر - بعد رفع العقوبات، وارتفاع عائدات النفط المقدرة بـ 25 مليار دولار في موازنة 2015 م، إلى نحو 100 مليار دولار في 2017 م، مقارنة بنحو 120 مليار عائدات العام 2011 م.. والسماح لإيران بالعودة إلى النظام المالي العالمي، بما يشمل كافة العمليات المصرفية، - لا سيما - التي تتعلق بمدفوعات صادرات النفط، ومختلف الصادرات من المنتجات الإيرانية بالعملات الحرة، - وخصوصاً - الدولار الأمريكي، واليورو الأوروبي. - وكذلك - مدفوعات إيران قيمة مستورداتها من مختلف دول العالم، بعد فك عزلتها الاقتصادية، - مع العلم - أن إيران كانت في ظل العقوبات، تلجأ إلى التحايل في مدفوعاتها الخارجية، ومقبوضاتها باعتماد نظام المقايضة، وقد ترتب لها ديوناً مع الدول المستوردة للنفط بمليارات الدولارات.. - إضافة - إلى عودة إيران إلى التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، - وكذلك - بنك الاستثمار الأوروبي، والحصول منها على قروض مختلفة، وبشروط متعارف عليها في العلاقات الدولية.. - ومثله - عودة الاستثمارات الخارجية المباشرة في التدفق إلى إيران، بما فيها استثمارات شركات النفط الأجنبية، وشركات إنتاج السيارات، التي ترغب في استعادة مكانتها في تطوير الصناعة الإيرانية.. - وأخيراً - دعم احتياطي البنك المركزي البالغ - حالياً - نحو 62 مليار دولار، وكان يفوق المائة مليار دولار قبل العقوبات، ومن شأن ذلك أن يوفر الدعم، والحماية للنقد الوطني، واستعادة قيمته السابقة، حيث كان الدولار الأميركي يُعادل 12 ألف ريال، وفي الوقت نفسه يخفض التضخم إلى أقل من 15%.
في ظل أوضاع إقليمية مضطربة، ومواجهات طائفية أشعلتها إيران في المنطقة، فإن التقدم على الصعيد النووي، لا يقلل المخاوف بشأن رعاية إيران الإرهاب في المنطقة، وتهديداتها المتلاحقة لدول المنطقة.. - وبالتالي - فإن تقديم ضمانات جدية، لمنع عسكرة البرنامج النووي، سيجد له صدى لدى دول المنطقة، - وكذلك - عدم منح إيران الضوء الأخضر لأدوار تدخلية متزايدة في الملفات الإقليمية، - سواء - في العراق، أو سوريا، أو لبنان، أو اليمن، - إضافة - إلى ضرورة سعي دول الخليج العربي، والتي تُعتبر - اليوم - أدوات فاعلة في ميزان القوى في الإقليم، لامتلاك برامج نووية سلمية، لموازاة المشروع الإيراني، يتم تحويله إذا اقتضت مصلحة تلك الدول إلى برامج عسكرية، ولا مانع من الدخول في تحالفات إستراتيجية علنية مع قوى نووية، لتأمين ردع إستراتيجي تجاه إيران، إما بالحصول على مظلة نووية شاملة، أو بشراء أسلحة نووية جاهزة.