سعد بن عبدالقادر القويعي
أحرر هذه المقالة، بعد أن أشارت تقارير لمنظمات حقوقية دولية إلى انتهاكات مروعة، مورست من قبل ميليشيات الحشد الشعبي في مدينة « تكريت «، وأن المناطق - ذات الأغلبية السنية - تعرضت لانتهاكات، قد يرقى بعضها إلى جرائم الحرب. كما أشارت إلى:أن هناك هجمات على عدة مدن عراقية بدت - وكأنها في إطار حملة - تنفذها ميليشيات الحشد؛ من أجل ترحيل السكان من أماكن سكناهم.
تعد ميليشيات الحشد الشعبي - السيئة السمعة -، منظومة موازية للمؤسسة العسكرية العراقية، فقد تشكلت تلك الميليشيات من متطوعين من الشيعة العراقيين - بالأساس -؛ لكنها مدعومة من قبل إيران. ويبدو أن الحكومة العراقية - اليوم - عاجزة عن ترويضها، وقد يكون ذلك بتواطؤ من بعض مسؤوليها، حين زاد انتشار هذه الميليشيات في مختلف مناطق المكون السني. وقد صدرت تصريحات لمسؤولين أميركيين، كان من أبرزهم تصريح - لمدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية السابق - « ديفيد بتريوس « ، أشار فيه إلى أن:» خطر ميليشيات الحشد الشعبي أكبر من خطر تنظيم الدولة «؛ بسبب هول الفظاعات التي ارتكبتها بحق المدنيين من السنة. وقال بتريوس، الذي كان - أيضا - قائدا لقوات بلاده في العراق ، في رد عن أسئلة من صحيفة « واشنطن بوست الأميركية «:» إن هذه المليشيات تقوم بفظاعات ضد المدنيين السنة « ، رغم إقراره بدورها في وقف زحف مقاتلي « داعش « في المناطق العراقية. ويرى الجنرال الأميركي، أن تجاوزات الميليشيات الشيعية ضد المدنيين السنة، تشكل تهديدا لكل الجهود الرامية إلى جعل المكون السني جزءا من الحل في العراق، وليس عاملا للفشل.
تأكد - اليوم -، أن هناك يدا خفية تقف وراء الحكومة العراقية، هي ميليشيات شيعية، تميزت بنزعة طائفية شديدة، ترعاها إيران. - وعلى مرّ الأعوام - فقد زاد غموض الحد الفاصل بين الميليشيات الشيعية المدعومة من الحكومة، وقوات الأمن الرسمية، والتي أوصلت العراق بممارساتها المقيتة إلى شفير حرب أهلية، وقد تهدد بتفجير حرب طائفية - لا قدّر الله -، لن يكون فيها أي منتصر. وهذه الرؤية المتشائمة لخصها - الكولونيل - پيتر منصور، بقوله: عندما كنت أعمل مع بيترايوس عام 2007 م، قلت له: إن خطر ميليشيات الشيعة على سيادة العراق أكبر على المدى الطويل من خطر القاعدة في العراق. - والحقيقة - أن لا شيء تغير كثيرا - الآن - ، فقد حلّت الدولة الاسلامية، أو « داعش « محل « القاعدة « في العراق، كأقرب خطر على البلاد. وهذا الرأي يوافق عليه - قائد أمريكي كبير سابق في العراق -، - لا يحضرني اسمه الآن - عندما قال:» نعم، إن خطر ميليشيات الشيعة أكبر من تهديد الدولة الاسلامية؛ لأن هذه الدولة تفتقر إلى الجاذبية، والجذور التي تمتعت بها القاعدة في العراق، في اوساط السكان السُنة عند بداية عملية زيادة عدد القوات الامريكية بالعراق في مطلع 2007 م.
واقع الحال، أن الحكومة العراقية الحالية لم تنجح - مع الأسف - في تغيير جوهر العملية السياسية تجاه تأسيس الميليشيات الطائفية، لكونها خارجة عن القانون، ولا تدين بالولاء لمفهوم الدولة الحديثة، وباعتبار أن كل سلاح يكون خارج سلطة الدولة، ومؤسساتها الرسمية - الأمنية والعسكرية - سيخدم سياسات طائفية مذهبية إقصائية - في نهاية الأمر -، وسيشكل تهديدا أكبر على استقرار البلد - على المدى البعيد -، لكونها تتبنى سياسة إيران، وإرادتها، وليس إرادة، أو مصلحة العراق، وسياساته الحالية.ولا بديل - حينئذ - عن محاربة هكذا تقسيمات بغيضة، والعمل على تأسيس فكرة للتعايش على مستوى المساواة بين مختلف الأطياف، وتقرير حق العدالة الاجتماعية للجميع، مع ضرورة إصلاح نظام العدالة الجنائية.