أ.د.مساعد بن عبدالله النوح
منذ تعيينه وزيراً للتعليم وهو يتحرك هنا وهناك، ويسافر إلى هنالك، وكل هذه الجولات المكوكية على أهميتها إلا أنها مقتصرة للمدارس والمعلمين والطلاب في قطاع التعليم العام، وهم يستحقون أكثر
وأكثر، لكننا يا معالي الوزير، لدينا نحن أعضاء هيئة التدريس في الجامعات تطلع للقياك في جو أخوي، تسمع منا بعض الهموم والمشكلات والتطلعات التي تستحق اهتمامكم كوزير للتعليم. فنحن لا نعيش في أبراج عالية ولا عاجية كما يتوقع البعض، ولا ينتابنا شك في موقعنا في مكان بارز في خريطة اهتمامك.
تطبق الجامعات تشريعات ولوائح تنظيمية تستحق إعادة النظر؛ نظراً لتقادمها، ووجود ثغرات في بعض موادها، ومن ذلك لائحة الدراسات العليا في الجامعات السعودية الصادرة عام 1417هـ، إذ توجد مادة تتعلق بالإرشاد الأكاديمي والإشراف العلمي فيها بخس لجهود أعضاء هيئة التدريس، حيث لا يحتسب الطالب أو الطالبة الذين في مرحلة الإرشاد ضمن العبء التدريسي لعضو هيئة التدريس، وهي مرحلة تتطلب جهوداً مضاعفة يبذلها عضو هيئة التدريس تجاه طلابه، الأمر الذي يجعل هذه المرحلة فترة حرجة على عضو هيئة التدريس، وهذه الدعوة ليست الأولى بل سبقتها دعوات لمراجعة هذه المادة التنظيمية، كما تغيب مواد تحدد أهداف الإشراف العلمي، وأدواره، والسمات المهنية للمشرفين العلميين وإن كانت متداولة بينهم.
وتشكو الجامعات من نقص في أعداد أعضاء هيئة التدريس، وتستوي في ذلك الجامعات القديمة والحديثة من حيث النشأة، لذلك تواجه الأقسام العلمية صعوبات عند توزيع الجداول الدراسية والمهام الإشرافية على طلاب الدراسات العليا، ولا يتوقف الأمر هنا، بل يتم الاستغناء عن عضو هيئة تدريس أما بسبب التقاعد أو بسبب الإعارة، والقسم العلمي بأمس الحاجة إليه تدريساً وإشرافاً.
وتشتمل بلادنا على (28) جامعة حكومية تقريباً تتفاوت في تقديمها برامج دراسات عليا، وإذا كانت هذه الحال مقبولة من جامعة ناشئة، فإنها ليست مقبولة من جامعة قديمة، وهذا يتسبب في إقبال أبناء المنطقة الإدارية أو المدينة التي تقع فيها الجامعة الناشئة إلى الالتحاق بالجامعة التي تقدم برامج دراسات عليا حتى وإن كانت بعيدة عنهم، ولا شك أن هذا من حق جميع أبنائنا فهم في وطنهم سواء تحركوا شرقاً أو غرباً، لكن هذا الوضع قد يحرم أبناء المدينة من مواصلة دراساتهم الجامعية والعليا.
وعلى الرغم من عدد الجامعات السعودية، إلا أن المجلات العلمية المحكمة التي تصدر فيها قليلة، الأمر الذي يجعل الباحث ينتظر وقتاً طويلاً لتحكيم بحثه ونشره، وبالتالي يلجأ إلى المجلات الأخرى الخاصة، أي بالمقابل المالي، فلو أخذت الجامعات مقابلاً مالياً على غرار المجلات الخاصة في سبيل التسريع في تحكيم البحوث وفي نشرها لما اتجه الباحث السعودي إلى مجلات علمية أخرى قد لا تتوافر لها السمعة العلمية المرغوب فيها.
وتوجه إدارات التربية والتعليم التي تتبع قطاع التعليم العام الطلاب الراغبين مواصلة دراساتهم العليا إلى كليات تربية معينة؛ نظراً لسمعتها العلمية والبحثية، وقد يكون معها شيء من الحق في هذا التوجيه، لكن عندما يتم التوجيه إلى كليات تربية في المدن التي يسكن فيها المعلمون والمعلمات، سيحقق لهم منافع كقربهم من مواقع سكنهم، وتوفير الأعباء المالية عليهم التي يتطلبها التنقل جواً أو براً.
وتشهد الجامعات تراجعاً في الاهتمام بتطبيق معايير الجودة، ويكفيك زيارة الصفحة الرسمية لبعض الأقسام العلمية، حيث ستفاجئ بتقادم البيانات الأولية لأعضاء هيئة التدريس، وبعضهم قد تم إنهاء عقده، أو قضى نحبه، أو تم تقاعده، أو انتقاله إلى جهة أخرى، ولا تزال الأسماء باقية، فضلاً عن الأخطاء اللغوية في حالات الإعراب البديهية.
وتضم الجامعات أناساً تعمل لكنها لا تجد فرصة للبروز الوظيفي على الرغم من استحقاقها علمياً وبحثياً وإدارياً، في حين تتبادل أشخاص مواقع وظيفية متفرقة في المؤسسة الجامعية ينتهي هذا ويجلب من بعده معارفه الذين لا نشك في قدراتهم، لكن نتمنى تحقيق تكافىء الفرص الوظيفية.
وفي الجامعات أعضاء هيئة تدريس وطلاب متميزين، ولجان وجمعيات متميزة وحراك علمي نشط، ولقائك بهم دورياً قد يكون محفزاً لهم للاستمرار، وترصد ما يواجهونه من عقبات وتحديات، وتعمل على تذليلها، وبُعدك قد يجعل شعلة الحماس تقل وهجها تدريجياً.
يتمنى أخوانك أعضاء هيئة التدريس وأبناءك الطلاب أن يلتقون بك قريباً كمثل معلمي وطلاب التعليم العام في لقاءات مباشرة أو عبر قنوات التواصل الاجتماعي؛ لتتبادل معهم الأسئلة والاقتراحات بدون رسميات كما تعودنا من معاليكم. وأنا لا أريد أن أثقل عليك فمعاليكم كريم وهم يستحقون.
معالي الوزير عندما أكتب هذه الآمال والأماني، فأنني لا أرمي أحداً بعينه من قيادات الجامعات بالقصور، ولا اتهم أحداً بالإهمال، فهذه بعض الهموم التي لا تنسب لجامعة بعينها، وهذه الأماني ليست من نسيج خيالي، ولا تعكس تحامل على أحد، وإنما هي من خبرة متواضعة في التعليم الجامعي تدريساً وإشرافًاً، فضلاً عن تأكيد عدد من الكتابات العلمية عليها.
معالي الوزير رأيت فيك حماس الشباب، وأنت منهم، وإخلاص المسؤول، وأنت ذلك الرجل الذي يعتبر المسؤولية الوظيفية تكليفاً لا تشريفاً، كما رأيتك تُعطي اهتماماً لأسرة التعليم العام وهي أهلاً له، فأحببت أن أقول لمعاليكم أننا لنا حق فيكم. وفقكم الله لما يحب وتحبون، وأعناكم على تحمل مسؤولياتكم.