د. جاسر الحربش
مصطلح «التجنيد الإجباري» لا يوحي بكامل الهدف منه، والأفضل تسميته «خدمة الوطن الإلزامية». خدمة الوطن الإلزامية ليست تجنيدا بل تطوع، وليست إجبارية بل واجب تكافلي، يغمر الحريص على وطنه كعاطفة وواجب، بالإضافة إلى أن عسكرة الخدمة كواجب توحي باشتراط اللياقة البدنية الكافية، لكن انعدامها يجب ألا يلغي إمكانية الأداء في مهام أخرى داخل المؤسسة العسكرية.
من هذا المنطلق يتوجب على كل مواطن، سواء زاد أو نقص عمق ثقافته وتحيزه العاطفي أو الفئوي، أن يفكر جيدا في مصيره وأهله وشرفه وكرامته ومستقبل أجياله، لو أصبح لا قدر الله بدون وطن، أو في وطن مضطرب ممزق يحارب بعضه، والأمثلة المروعة موجودة في دول الجوار.
في يوم الأربعاء الماضي غمرني شعوركبير بالاطمئنان والفخر إثر القراءة المتمعنة لحوار صحيفة سبق الإلكترونية مع ضابط بحري سعودي اسمه عمرو العامري، وقد تطرق الحوار في بعض جزئياته للتجنيد الإجباري، التي أفضل تسميتها خدمة الوطن الإلزامية. لم أكن من قبل، وأقول ذلك بكل صراحة، أتوقع في الشخصيات العسكرية عموما، أجنبية كانت أو سعودية، توفر اهتمام ثقافي عميق يتعدى حدود الأساسيات المعرفية الضرورية في الجغرافيا والتاريخ، معتقدا أن التركيز المهني يكون فقط على الجودة العسكرية النوعية. ليس من المتعارف عليه عالميا أن يتوفر عند العسكري المحترف بعد ثقافي عميق وإدراك شامل لاشتراطات الحياة، لأن المفهوم المدني السائد هو أن العسكري المحترف مهمته قتال العدو وتحييده للدفاع عن مكونات وطنه الروحية والبشرية.
مقابلة محاور سبق المتميز شقران الرشيدي مع الضابط البحري السعودي المثقف عمرو العامري أحدثت عندي رؤية جديدة عن العسكري السعودي المحترف وزادتني قناعة بثراء المخزون الوطني في هذا الوطن وحضارته، لذلك أسمح لنفسي بإشراك القراء في بعض الاقتباسات لذلك الحوار:
سؤال سبق: يقول أحد أركان النظام الإيراني أن أربع عواصم عربية باتت تحت حذائه العسكري، كيف ترى مثل هذا الطرح المستفز؟.
جواب العامري: قبل كل شيء أعتقد أن في هذا التصريح وتصريحات إيرانية أخرى إهانة لتلك الدول بكل مؤسساتها وقياداتها ومواطنيها. ما يهمنا هنا هو أن نقول: شكرا لهذا الإيراني الذي أوضح بجلاء لكل المتباكين المعارضين لعاصفة الحزم العقلية والتفكير الإيراني نحو دول المنطقة وعواصمها. لئن قبل بعض المخدوعين أن يكونوا تحت الحذاء الإيراني، فإن الأحرار في هذه المنطقة لن يقبلوا، وصنعاء عصية عليه وكذلك كل عواصم العرب، وتاريخ العرب هو تاريخ الكرامة. ويهمني أيضا أن أقول لكل من غرد خارج السرب: هل ترضى أن تكون يوما تحت جزمة مثل هذا المسؤول اللامسؤول الذي يمثل بالمناسبة عقلية فرضتها علينا الجغرافيا التي تريد هذه العقلية توسيعها ولكن هيهات.
سؤال سبق: في موقف مفاجئ صوت البرلمان في إحدى الدول الصديقة على التزام الحياد، برأيك مالأسباب؟,
جواب العامري: سأحاول ألا أخوض في الشأن السياسي، وكم يؤذيني كمواطن وكمثقف ثم كعسكري سابق أن أسمع أن دولا مستعدة للدفاع عنا، ولا يدافع عن الأوطان سوى أبنائها. نعم نحن نرحب بمن يساعدنا كما نساعد نحن الأصدقاء والأشقاء عسكريا وماديا في أزماتهم، أما أن يدافع عنا أحد فيجب أن يتوقف مثل هذا القول. المهم هنا هو أن عاصفة الحزم ترسل رسالة قوية وجلية أننا قادرون على حماية أمتنا ووطننا.
ثم يقول العامري عن التجنيد: التجنيد الإجباري أحد الخيارات، وكذلك للاحتياط أيضا، وهو خيار قابل للتطبيق حيث يستدعى المجند شهرا كل سنة ليتدرب على السلاح وعلى الإسناد وحراسة المواقع الخلفية والإخلاء وحماية المنشآت. لو طبق ذلك لساعد على تجاوز الكثير من الأمراض الاجتماعية وحتى الأمراض الصحية، وعمق الولاء أكثر، ولانحسر حتى المغرر بهم الخارجون لمحارق القتل. مختصر القول، لا أحد يحمي أحدا بالمجان، وشكرا لعاصفة الحزم التي قالت بهدوء ووضوح من نحن وماذا نمتلك ومن هم جنودنا وقالت أيضا نعم نرحب بمساعدة أشقائنا وأصدقائنا، ولكن نحن وحدنا من يحمي وطننا.
انتهى الاقتباس من الحوار
التعليق: أقول كطبيب ممارس أن من الأمراض التي يساهم التجنيد الإجباري (الخدمة الوطنية الإلزامية) في علاجها ترويض العقليات الفوضوية على الانضباط وتربية روح الفريق والالتزام بالمسؤولية الجماعية، والقضاء على الرخاوة الجسدية التي أحدثها الفراغ والسهر والفوضى المعيشية في أجيال الشباب، وبالتأكيد أيضا المساهمة في إبعاد الشباب عن إغراءات المخدرات والمروجين، وتعريفهم من خلال التثقيف العسكري لما يخططه تجار المخدرات ومروجوها وأعداء الوطن لتدميرنا من خلال التخريب في عقول الشباب.
ختاما أقول: إن جيشا يتعامل بهذه الروح الوطنية لمنسوبيه منصور بإذن الله.