د.موسى بن عيسى العويس
* اعتدنا في هذا السياق أن يكون التعبير بـ(ترشيد النفقات) لكن هذا التعبير، وأعني الترشيد قد لا يكون ذا جدوى في تطبيقه حينما يكون هدف المنشأة الترشيد، دون النظر إلى أثر التوجه على محور، أو محاور التنمية في الجهاز، أو على مستوى خطط الدولة، لكن من المعروف أن التوجه حينما يكون على مستوى جميع الأجهزة تقوده، أو تؤثّر فيه توجهات قيادة وزارتين على الأكثر (الاقتصاد والتخطيط، ووزارة المالية). إذن توجيه النفقات في مسار الأهداف الخاصة، والبرامج والخطط الفاعلة التي تخدمها هو المعني في الحديث.
* الحد من الهدر المالي بمفهومه الواسع، وتقليص الإجراءات، والتطوير الإداري لهياكل المؤسسات، وتفعيل الحكومة الإلكترونية أعتقد أنها دوائر ثلاث تتكاتف أجهزة الرقابة عليها، سواء كانت هيئة مكافحة الفساد، أو ديوان المراقبة العامة، أو هيئة الرقابة والتحقيق. صحيح أن غير المختصين، أو الممارسين من داخل هذه الأجهزة، والمباشرين لأعمالها لا يستطيعون الفصل بشكل واضح بين هذه الأجهزة من حيث المهام والاختصاصات، لكنها ليست المنظومة الوحيدة من بين الأجهزة التي تتداخل بعض مهامها، أو لنقل هناك لبس أمام المواطن في هذا الموضوع، فما تقوم به الأمانات والبلديات، ووزارة التجارة، وهيئة الغذاء والدواء تجاه صحة البيئة بمفهومها الواسع لها نصيبها من تساؤلات المواطنين، المهتمين بمثل هذه الشؤون، والشيء نفسه حينما نتحدث على مستوى التعليم عن الفرق بين مدارس تحفيظ القرآن الكريم، والمعاهد العلمية كلها مثار تساؤل في الأهداف، وقس على ذلك الكثير من الأمور التي يمارس فيها الهدر الإداري، ويغض الطرف عنها، لأسباب متعددة، الطريف في هذه الجزئية بالذات، وحينما يكون الموضوع متصلاً بمؤسسات دينية أن يُقال عمن يثير تلك الأطروحات ليس هذا وقتها، فمناقشتها في مثل هذه الظروف تفتح باب الخلاف، وتؤدي إلى الفتنة، وتؤدي إلى الإخلال بلحمة المجتمع ووحدة الوطن، وغير ذلك من الرسائل التي تمارس للتخويف فقط، ولثني من لديه الغيرة، أو الطموح في أن يرى بلده، وقد انعتق من بعض قيود الماضي، منطلقاً ومنافساً كغيره.
* ندرك تماماً حجم الصعوبات المبدئية التي ستواجه أي جهاز يفكر، أو يقدم على مثل هذه الخطوات، لكنه هو الطريق الأمثل التي تتسابق الحكومات لتطبيقه والأخذ به، لتصل بمؤسساتها إلى مرتبة تستطيع الحكومة من خلال ذلك قياس الأداء، والأثر، والمخرج، والمحاسبة على ضوئه.
* في العصر الحديث أصبحت الجودة والإتقان في بيئة العمل، وقياس مدى تحقق الأهداف بكفاءة عالية، في مدى زمني قصير مناهج تدرس، إن على مستوى الجامعات، أو في مراكز التدريب المتخصصة، تتاح للموظفين وهم على رأس العمل، بشكل إجباري، أو اختياري، ومن المعروف أن أحد أهداف الجودة هو توجيه النفقات ووضعها في المسارات الصحيحة.
* خلافاً للقطاع الخاص، فالمساحة الحرة التي يتحرك فيها الموظف الحكومي، والحصانة التي يتمتع بها نسبياً، وضعف أدوات المحاسبة، ومرونة معايير الأداء الوظيفي، واتساع مفاهيم تطبيقها هو الذي جعل المؤسسات الحكومية بالذات يتمثّل الهدر فيها أكثر من غيرها، لأن الأداء والمخرجات لا تقيم بشكل دوري منتظم، وبشكل صارم.
* من الأخطاء التي نرتكبها أننا لا نفكر في توجيه النفقات إلا عند الأزمات المالية التي تتعدد أسبابها، إما بشح مورد من الموارد، أو اضطراب الأسعار لبعض الصادرات الأساسية، أو الكوارث الطبيعية، أو الصراعات الداخلية والحروب، وكل هذه العوامل تفرض على الدول سياسات صارمة، وقد تصطدم برغبات، أو عادات بعض المجتمعات إذا لم تكن قد هيأت لها بشكل ممنهج، وأصبحت تتقبل الإجراءات بشكل طبيعي، وكأنها جزء من ثقافة عامة لها السيادة، فهل يا ترى نجد من المؤسسات من يمتلك زمام المبادرة؟