جاسر عبد العزيز الجاسر
تصور أن يُطلب من مواطن يتنقل في بلاده وبين مدينة إلى أخرى كفيلاً حتى يُسمح له بدخول تلك المدينة التي يقصدها، بعد أن ضاقت عليه السبل أو أجبرته الحروب على مغادرة مدينته.
ماذا سيكون موقف هذا المواطن، وكيف يشعر بالانتماء إلى وطن يطلب منه المسؤولون الأمنيون كفيلاً له عندما يستجير بأهله في مدينة أخرى.
لا تعجب ولا تستغرب من وجود هذه الحالة التي تتكرر في العراق.. عراق الديمقراطية التي صدرتها أمريكا عبر البحار والمحيطات ليصبح على المواطن العراقي القادم من الموصل أو الرمادي أن يحضر كفيلاً للإقامة في بغداد.. وقبل ذلك طبقته الأجهزة الأمنية في إقليم كردستان للذين قصدوا محافظات ومدن إقليم كردستان للاستمتاع بالأجواء الباردة وقضاء الصيف، وبعضهم كانوا مطاردين سياسياً.
إلا أن أبناء محافظة الأنبار وبالذات مدن الرمادي وهيت والفلوجة وعانة فهم مشردون تركوا منازلهم ومدنهم، نازحين من أهوال الحرب ومن انتقام داعش، إذ تكشف معلومات صادرة من بغداد أن أكثر من مئتي ألف شخص موزعين على 40 ألف عائلة عراقية هربوا من المعارك العنيفة التي تجري على أرض المحافظة منذ مدة، والتي اشتدت في الأيام الأخيرة، ففر أهالي المحافظة سيراً على الأقدام قاصدين عاصمة بلادهم بغداد، إلا أنهم اعتُرضوا من قِبَل عناصر قوة عمليات بغداد، وهي قوة عسكرية أمنية شكَّلها نوري المالكي وأبقى عليها حيدر العبادي، فهذه المعاملة لأبناء الأنبار الذين يطلب منهم إحضار كفيل للسماح لهم بالدخول إلى بغداد لا تُطبق على أبناء محافظات الجنوب الذين يدخلون ويخرجون من بغداد متى شاؤوا، أما أبناء الأنبار وصلاح الدين ونينوى فيجب عليهم إحضار كفيل من أهل بغداد الذين جلهم نزح من الجنوب منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003م، مما جعل أهل بغداد الأصليين قلة خصوصاً من لهم صلات قربى مع المحافظات السنية.
ضرورة إحضار كفيل حتى يستطيع النازح العراقي دخول بغداد وبابل وكربلاء أوجد تجارة رابحة لسكان تلك المدن، حيث صنع سوقاً سوداء للكفلاء الذين يقومون بكفالة عراقيين مثلهم هاربين من جحيم الحرب وانتقام تنظيم داعش الإرهابي، إذ تخصص سائقو سيارات الأجرة في تقديم خدمة مزدوجة، فبالاضافة إلى نقل الأسرة النازحة من أطراف بغداد أو الحلة أو كربلاء، يوفر سائق سيارة الأجرة الكفالة للأسرة العراقية، وطبعاً كل شيء بثمن، فيضطر عائل الأسرة العراقية إلى دفع الثمن رغم ظروفه القاسية بعد أن ترك أملاكه وكل ما يملك في مدينته التي نزح منها، واتجه إلى مدينة عراقية أخرى كان يعتقد أنه سيجد الأمان والمساعدة فيها، فيواجه بالابتزاز.
هكذا أصبح العراقيون في عهد الديمقراطية والحرية يُطالبون بإحضار كفيل عندما تضطرهم الظروف كالحروب والاضطرابات.