محمد سليمان العنقري
قال مدير عام منظمة العمل الدولية خلال مؤتمر العمل العربي الذي يعقد في دولة الكويت حاليا أن على الدول العربية والخليجية خصوصا مواحهة تنامي البطالة لديها بهيكلة للاقتصاد وسوق العمل مؤكدا إنه لا يمكن لدول الخليج الاعتماد على النفط كمصدر دخل على المدى البعيد وأوضح أن البطالة تمثل تحديا عالميا وأن عدد العاطلين بالعالم وصل إلى 200 مليون لكنه اعتبر منطقتنا الاسوء بمعدلات البطالة وقال إن نسبتها تمثل أضعاف متوسط النسبة العالمية.
وإذا كان حديث السيد غاي رايدر مدير عام المنظمة عموميا على المنطقة لكنه يلامس واقع البطالة في المملكة وقد لا يمثل طرحا جديدا عن ما يذكر دائما في الساحة الإعلامية وكذلك احصاءات ودراسات رسمية لكنه بالمقابل يعد تنبيها مهما إلى مدى الوضع السلبي ليس لمعدلات البطالة بل إلى الطرق التي استخدمت بمعالجتها على الرغم من حالة الاقتصاد الصحية وقوته محليا وحجم الإنفاق الحكومي الضخم وغير المسبوق في العشر سنوات الماضية إلا أن معدل البطالة بالمملكة بقي عند مستويات عالية تقارب 11.6 بالمئة وهي ضعف معدل البطالة في أميركا عند 5.5 بالمئة وحوالي أربعة أضعاف البطالة في ماليزيا التي تقل عن 3 بالمئة مما يتطلب جهدا كبيرا ومختلفا عن سياسات وزارة العمل التي اتخذت عشرات القرارات لخفض نسب البطالة إلا أنها لم تحقق تراجعات عالية فيها اإلى الآن وذلك يعود لأسباب مهمة أولها عدم تنوع النشاط الاقتصادي بالشكل الملائم لاستيعاب الأعداد الكبيرة التي تدخل سوق العمل سنويا والمقدرة بحوالي 300 ألف شاب وشابة.
فجل الإنفاق الحكومي في السنوات الماضية انعكس على قطاعي التشييد والتجزئة بزيادة فرص العمل حتى وصل حجم العمالة فيهما إلى ما يقارب 67 بالمئة من مجمل العاملين بالقطاع الخاص وغالبية الوظائف في القطاعين لا تتطلب مؤهلات ودخلها على الموظف متدني لذا نجد أن متوسط الرواتب للمواطنين بالقطاعين يتراوح حول 3000 ريال وهو لا يشكل طموحا للاستمرار بالعمل فيهما مما يجعلهما محطة في مستقبل العمل للشباب لا أكثر وإذا ما أراد الشباب الذين يشغلون وظائف بالقطاعين الانتقال إلى وظائف أفضل فإن الفرص تعد قليلة نظرا لعدم تسارع النمو بالقطاعات الصناعية والمالية والخدمية إجمالا في المجالات التي توفر فرص عمل دائمة وذات متطلبات مهنية ودخل أعلى.
فالقطاع الخاص لدينا لازال متباينا بتوسعه فبينما تشكل القطاعات التي تعتمد على العمالة الوافدة الرخيصة الجزء الأكبر من سوق العمل نجد نموا بطيئا جدا بقطاع الصناعة إذا لا تزيد المصانع لدينا عن 6500 مصنع بالوقت الذي تم تهيئة عشرات المدن الصناعية بمختلف مناطق المملكة وحجم العمالة في القطاع نسبتها متواضعة عموما قياسا بقطاعات التشييد والتجزئة ومما يوضح أن غالبية فرص العمل رواتبها متدنية ما نشرته وزارة العمل بمسودة تعديل أوزان برنامج نطاقات لنسب التوطين حيث ذكر أن 2.85 مليون عامل وافد تقل رواتبهم عن 1000 ريال أي ما يقارب 30 بالمئة من إجمالي موظفي القطاع الخاص بينما وبحسب المسودة فإن 21 ألف وافد تزيد رواتبهم عن عشرة آلاف ريال وهذا يعني إن فرص العمل لأصحاب المؤهلات الجامعية ومافوقها تعد محدودة إذا ما اعتبرنا سياسة التوطين بالاحلال تعد أساسية لخفض نسب البطالة في حال أرادوا الحصول على وظائف بدخل جيد يتناسب مع متطلبات المعيشة حاليا وهذا ما يفسر أن جل المنافسة تركز على الوظائف المحدودة الدخل للمواطنين ولذلك نجد أن متوسط رواتب المواطنين بالقطاع الخاص يتراوح حول 5000 ريال مما يعني أن سوق العمل ستبقى الفرص فيه على وظائف لا تمثل استقرار للشباب بينما ستبقى تطلعاتهم للحصول على وظائف حكومية وهو أمر يعد صعبا أن يتم توفير وظائف بالقطاع الحكومي تستوعب الأعداد الكبيرة الحالية أو القادمة لسوق العمل.
وبما أن أغلب ما ظهر من توجهات من قبل الجهات الحكومية المعنية بالشأن الاقتصادي تؤكد على دور القطاع الخاص بحلول مشكلة البطالة فإن عليها أن تتحرك بسرعة كبيرة لإزالة العراقيل أمام القطاع الخاص وجذب الاستثمارات ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة من خلال منظومة عمل متكاملة بين تلك الجهات وإلا فإن مشكلة البطالة ستتوسع وسيصل عدد العاطلين الى ما يقارب 1.4 مليون اي اكثر من ضعف الرقم الرسمي الصادر عن مصلحة الاحصاءات العامة وخلال مدة قد لا تزيد عن خمس سنوات قادمة بحسب تقارير من جهات دولية كالبنك الدولي وغيره ولن تستطيع وزارة العمل أن تتوسع بالحلول مستقبلا خصوصا أن برامجها الحالية التي تطبق من أربع سنوات أوجدت مشكلة التوطين الوهمي والذي بدأت تواجهه لكنها حتى لو قلصت من هذه المشكلة فإن عدم التوسع السريع بفتح فرص عمل بالقطاع الخاص ذات قيمة مضافة ودائمة سيجعل وزارة العمل تواجه مشكلة إضافية وهي تراجع فرص العمل المحدودة الدخل التي تعتمد عليها بنسبة عالية بالتوطين إذ إنها مع تعديلاتها التي تقوم بها حاليا قد تواجه مشكلة إقفال للأنشطة التجارية التي كثير منها يعتمد على أعداد محدودة من العاملين وعلى عمالة وافدة منخفضة الرواتب كمحلات التجزئة أو مؤسسات المقاولات والخدمات الصغيرة والمتوسطة.
وفق هذه الاحتمالات التي تمثل مشكلة وتحديا لملف البطالة فإنه يفترض أن تتحرك الوزارات والجهات التي تعد المسئولة عن جذب الاستثمارات وفتح فرص العمل كوزارة التجارة والصناعة والاتصالات وتقنية المعلومات والإسكان التي يجب أن تسرع من خطوات تحويل أحد أهم القطاعات التي تشكل حجر الزاوية بالتنمية المستدامة وهو القطاع العقاري ليكون صناعة عقارية حقيقية ويضاف لهم وزارات المياه والكهرباء والهيئة العامة للاستثمار وبعض المؤسسات الحكومية المستقلة بمجالات عديدة لتكون جميعها تعمل بوتيرة متسارعة وأن يكون التنسيق بينها عاليا لتشكل منظومة متكاملة تتحول باقتصادنا نحو التوسع بالإنتاج والنمو الذاتي للقطاع الخاص بعيدا عن التأثيرات الكبيرة للإنفاق الحكومي عليه حاليا وحتى تصبح الفرص الاستثمارية واعدة وترفع من كفاءة الاستفادة من إمكانيات الاقتصاد الوطني الضخمة.