د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
في ظل تنامي استهلاك النفط داخل السعودية خلال الفترة الأخيرة بما يصل إلى 2.5 مليون برميل يومياً، بعدما شهدت السعودية ارتفاعات ملحوظة في النمو السكاني والاقتصادي خلال السنوات العشر الماضية، ولو استمرت معدلات نمو الاستهلاك في السنوات القادمة بنفس معدلاتها السابقة، فإن الاستهلاك سيقلص صادرات السعودية من النفط الدخل الأساسي للدولة.
شركة الكهرباء السعودية هي ما بين ترشيد الطاقة وكفاءتها لوضع خطة طريق تسير عليها شركة الكهرباء وبقية القطاعات الأخرى في المستقبل بما يمكنها من المحافظة على حماية الثروات الطبيعية للسعودية، خصوصاً وأن عمر مخزونات النفط في السعودية وهي الأطول عمراً في العالم تتراوح من 66 إلى 100 عام.
نمط الاستهلاك في السعودية يختلف عن نمط الاستهلاك في جميع أنحاء العالم، والترشيد الذي قادته السعودية في الآونة الأخيرة من خلال مطالبة الدول المصنعة للسيارات أن تلتزم بالمواصفات العالمية التي تفرض عليها مواصفات ترشيد استخدام الطاقة مماثلة لما تنتجه للدول الغربية.
هذا إلى جانب تطبيق مواصفات الترشيد في صناعة المكيفات، إذ وجدت شركة الكهرباء أن المكيفات تستهلك 70 في المائة من الطاقة المستهلكة في القطاع، كذلك إذا ما تم تنفيذ قيود الترشيد وتنفيذ مواصفات العزل للمنازل فإن الجهات المسؤولة تتوقع أن يوفر في فاتورة الكهرباء نحو 60 في المائة التي تعتبر طاقة مهدرة، أيضاً قدر المخططون أن بعد نهاية البنية التحتية للنقل العام في السعودية ستوفر 70 في المائة من استهلاك النفط المخصص لاستخدام السيارات.
متوسط استهلاك الفرد في السعودية يبلغ ضعف متوسط الاستهلاك العالمي، ولم تقدم دراسات عن تصنيف المشتركين البالغ عددهم 7.3 ملايين مشترك، حتى تستطيع الشركة معالجة الترشيد.
إذ إن هناك فئات محدودة جداً من المشتركين يستهلكون أضعاف أضعاف ما يستهلكه نسبة عالية من المشتركين، حيث يمكن أن تكون لهم إدارة ومعالجة خاصة بسبب امتلاكهم لمساحات كبيرة جداً تستهلك طاقة كبيرة جداً حتى لا يدفع بقية المستهلكين فاتورة هؤلاء، وحتى لا يفاجأ المركز بأن المعالجة التي وضعتها لترشيد الكهرباء قد فشلت.
وقد كشف تحليل وحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة الاقتصادية بتاريخ 26-8-2014 أظهرت الأرقام بأن متوسط قيمة فاتورة الاستهلاك في السعودية هي 310 ريالات، ولكن هناك نسبة 60.9 في المائة من المشتركين تقل قيمة فواتيرهم عن 100 ريال، وهناك 16.3 في المائة من المشتركين قيمة فواتيرهم تتراوح ما بين 101 و 200 ريال ما يعني أن 23 في المائة من المشتركين قيمة فواتيرهم تساوي 80 في المائة من قيمة الاستهلاك الإجمالية.
ونمت قدرات التوليد بين عامي 2000 و 2014 بنسبة 139 في المائة مقابل نمو عدد المشتركين بنحو 105 في المائة، مع ارتفاع نسبة إيصال الخدمة للمدن والقرى بنسبة 67 في المائة، ونمت شبكات التوزيع بنسبة 112 في المائة، وكذلك نمت شبكات النقل بنسبة 86.5 في المائة، وسيستمر النمو في المستقبل، وسيستنزف موارد السعودية النفطية في حالة غياب بدائل أخرى جديدة.
الترشيد الذي قادته الجهات المسؤولة ممثلة في المركز السعودي لكفاءة الطاقة الذي يرأسه الأمير عبدالعزيز بن سلمان للتأكد من التزام الشركات وتنفيذها للالتزامات، لا يعني تحولا اقتصاديا، والذي يحتاج إلى برامج طويلة الأجل، ويحتاج إلى رؤية واضحة على شكل منظومة متكاملة.
لكن المشكلة الأكبر أن الشركة السعودية حصلت من المستهلكين عام 2013 للكيلو واط / الساعة نحو 14.1 هللة أي أقل من تكاليف إنتاج نفس الوحدة البالغة 15.2 هللة، ولكن بالأسعار العالمية تبلغ 80 هللة لنفس الوحدة، بسبب أن الشركة السعودية للكهرباء تحصل على الوقود المدعوم ما يقارب 40 مليار دولاً.
فالوقود الثقيل تحصل عليه الشركة بمعدل 1 مقابل 36 السعر في العالم، وكذلك تحصل على الديزل بمعدل 1 مقابل 32 السعر في العالم، وتحصل على الزيت الخام بمعدل 1 مقابل 26 السعر في العالم، وأقلها في الحصول على الغاز بمعدل 1 مقابل 12 السعر في العالم.
يعني أن الشركة بحاجة إلى إعادة هيكلة في تشكيل الشركة من حيث التوزيع والنقل والإنتاج وفي كافة المصاريف الأخرى، وإعادة النظر في تقديم الخدمة لـ 7.3 ملايين مشترك في نحو 13 ألف مدينة وقرية وفق منظومة جديدة وفق مبادئ اقتصادية لا أقصد رفع أسعار الكهرباء بل البحث عن بدائل تخفض تكلفة إنتاج الكهرباء.
توقيع شركة الكهرباء تفاهم مع كهرباء فرنسا للتعاون وتبادل الخبرات يمكن أن يقود إلى تحول إستراتيجي، لأن التوقيع يمكن أن يلزم الشركة في منافسة مؤشرات أداء الشركات العالمية في مجالات كفاءة الطاقة وإدارة الأسطول وقطع الغيار وتطبيقات الجودة الشاملة وتخطيط شبكات النقل والتوزيع والتخطيط الإستراتيجي والشبكات الذكية وأنظمة الاتصالات وفي مجال صناعة الكهرباء بما يتواكب مع التطبيقات والممارسات العالمية.
تعتمد شركة كهرباء فرنسا في إنتاج الكهرباء على مصدرين أساسيين هما الطاقة النووية بنسبة 78 في المائة، والطاقة المائية بنسبة 12 في المائة، وتصل مبيعات الكهرباء لديها بنحو 76 مليار يورو، فيما يبلغ عدد المشتركين 39.1 مليون مشترك، بإجمالي طاقة مركبة تصل إلى 140 ألف ميغاواط، بينما تبلغ الطاقة التي تنتجها شركة الكهرباء السعودية نحو 60 ألف ميغاواط، ما يعني أن 23 في المائة من المشتركين يستهلكون من الكهرباء أضعاف استهلاك المواطن الفرنسي وليس الضعف.
ولذلك يجب ألا تكتفي السعودية بترشيد الاستهلاك، والبحث عن كفاءة الطاقة بقدر البحث أيضاً عن البدائل، خصوصاً وأن السعودية تقع في المرتبة الخامسة على مستوى 32 دولة في العالم صنفتهم إدارة معلومات الطاقة الأميركية لاحتياطي الغاز الصخري، حيث كميات الغاز الموجودة لديها بنحو 645 تريليون قدم مكعب وفقاً لتقرير أرامكو السعودية، في حين موارد الغاز التقليدية تصل إلى 282.6 تريليون قدم مكعب فقط.
ولدى السعودية خيار كبير جداً يمكن التركيز عليه فيما يتعلق باستخدام الطاقة الشمسية، وأكبر عشر دول في استخدام الطاقة الشمسية، في المرتبة الأولى ألمانيا التي تنتج 35 ألف ميجاوات تليها الصين بـ 18 ألف ميجاوات أضافت في عام 2013 فقط 11 ألف ميجاوات، أي أضافت أكثر من نصف استهلاكها من الطاقة الشمسية بعد توصل الصين إلى أسعار منافسة في صنع الخلايا الشمسية، مما جعل الولايات المتحدة تقوم بفرض رسوم جمركية تصل إلى 35 في المائة على واردات الصين من الألواح الشمسية بحجة أنها رسوم إغراق.
والآن هناك سباق حول الإقبال على الطاقة الشمسية، وبريطانيا مقبلة على طفرة استثمارية في قطاع الطاقة الشمسية، وقد تتجاوز بريطانيا أكبر دولة في العالم في أوروبا، بينما تنحاز الحكومة البريطانية في تفضيلاتها في مجال الطاقة المتجددة إلى الطاقة المتولدة من مزارع الرياح أكثر من اهتمامها بالطاقة الشمسية أي يجب أن تتعدد الاختيارات لدينا لتحل محل الوقود الأحفوري الناضب تدريجياً.