د. عبد الله المعيلي
كان التعليم بمجالاته كافة (العام - الفني - العالي) يُدار تحت مظلة واحدة، ثم فصل التعليم الفني، تلاه فصل التعليم العالي، فصلاً عن تلك المظلة التي تُعد حاضنة للتعليم ترعى شؤونه، وتشرف على تسييره وتطويره، كان قرار الفصل قراراً يتحرى النفع العام، والفائدة لقطاع التعليم الذي كان وما زال يحظى بالكثير من عناية ولاة الأمر، لكن فصل التعليم الفني في حينه لم يكن قراراً موفقاً، حيث عزز هذا الفصل الانطباع لدى الطلاب ولدى الميدان التربوي، المتمثّل أنه لا يلتحق بهذا المجال من التعليم إلا من يعاني من عوق في قدراته، لا تمكنه من مواصلة التعليم العام، أو لديه رغبات وميول لا يجدها في التعليم العام.
لهذا، لعل التعليم الفني يلحق كما العالي تحت مظلة التعلم عامة، ويعود إلى الحاضنة الأصل، نظراً لما بينهم من قواسم مشتركة، وبهذا تكتمل منظومة التعليم في جسد واحد، مما يسهل عمليات القبول والتنسيق والتكامل والتطوير، وتجسير الفجوة التي ما زالت تهيمن على عقول بعض الشباب، وموقفهم الخاطئ من التعليم الفني.
يُعد التعليم الفني أحد الحلول الممكنة لما تعانيه بعض مخرجات التعليم، وأخص أولئك الطلاب الذين لديهم ميول وقدرات عقلية عملية، وتمكينهم من الدراسة في مدارس التعليم العام يوسّع فرص القبول ودوائره.
كما يُعد التعليم الفني المرتكز الأساس في تلبية متطلبات سوق العمل من القوى البشرية الفنية المؤهلة في مختلف مجالات التنمية التي تشهدها المملكة، والتي ما زالت الفرص فيها مهدرة لقوى وافدة لا تمتلك تأهيلاً ولا خبرة، كل ما تمتلكه جرأة في خوض غمار المجال، وما يترتب على ذلك لا يعنيها، ولسان حالها يقول: على المتضرر البحث عن حلول.
وحيث إن وزارة التعليم في مرحلة تحول تاريخية، وعلى رأس القيادة فيها رجال أكفياء جاؤوا من خارج الغابة، وبالتالي فإن مظنة القول: إنهم يمتلكون رؤية واضحة، ويبدو أنه يتمتعون بروح وثابة، وطموح عال لتطوير التعليم، والخروج به من عباءة الممارسات التقليدية التي لا تعدو عن كونها تسييراً ومسايرة لما يحصل في الميدان التربوي، فقد شبّه أحد قيادات الوزارة السابقين أن واقع التعليم يُماثل حال ذاك الذي يقف أمام عجلة ضخمة تزحف في اتجاه غير مرضي عنه، والعاملون لا يقدرون على التحكم فيها، نظراً لضعف قدراتهم، وقلة إمكاناتهم، وغيبة الرؤية التي يُسار في ضوئها، على تغيير اتجاه العجلة إلى الوجهة الصحيحة التي تحقق الطموحات والآمال المنشودة.
وحيث إن حال التعليم ما زالت كما وصفها ذاك القائد - رحمه الله -، فإن الأنظار تتجه إلى معالي الوزير عزام بأن يجتهد في تهيئة الظروف التي تستطيع التحكم في عجلة التعليم وتسييرها وفق الطموحات، وألا تترك العجلة يسيّرها الواقع كيفما كان، أجزم أنه عمل كبير، لكنه من غير المستحيل على القائد الذي استوعب الواقع وشخّصه بدقة وموضوعية ووضوح، ووظّف الإمكانات المتاحة له، واستفاد من الخبرات العالمية والدول التي صنعت واقعاً مميزاً للتعليم، ليس بمستحيل عليه أن يصنع الإصلاح الذي طال انتظاره، ويصوغ الرؤية التي تحقق الآمال المرجوة.
من هذا المنطلق، لعل الوزير عزام يبحث في أرفف وثائق الوزارة، وأدراج المسؤولين فيها عن الجهود السابقة التي خلُصت إليها فرق العمل التي طافت شرق الأرض وغربها، فدوّنت تقارير بما رأت، واقترحت رؤى تطويرية صدرت في كتيبات، لعله ينفض الغبار عن هذا كله ففيه الكثير مما يُمكن الاستفادة منه، ولعله أيضاً يشخّص واقع التعليم وهو واقع لا تخفى ثغراته، وأوجه النقص فيه ممثلة في الممارسات وفي المخرجات وفي الكفاءة الداخلية التي لا يخفى تفاوتها بين إدارات تعليم، وأخيراً لعله يخلص إلى رؤية تطويرية للتعليم، يصوغها في خطة طويلة الأمد، قد يصل مداها إلى ثلاثين عاماً أو أقل أو أكثر، ومن ثم يعتمد الخطة من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، بحيث تكون منارة ملزمة لكل من يتقلّد زمام قيادة التعليم، كل يسير في ضوء هذه الخطة، ويعمل جاهداً على استكمال ما بدأه من سبقه.