د.عبدالرحيم محمود جاموس
رغم ما يعانيه العالم العربي من اضطرابات سياسية عاصفة، وقضايا طارئة، باتت تهدد السلم والاستقرار الأهلي لكثير من الدول العربية، إلا أن القضية الفلسطينية تبقى القضية الأساس، والرئيسية والأقدم للعالم العربي، ولا يستطيع أحد القفز عليها مهما آلت إليه الأوضاع السياسية المضطربة في المنطقة والإقليم، لأن فلسطين هي مركز هذا الزلزال، الذي بات يعصف بمختلف أنحاء المنطقة.
إن فلسطين تؤثر وتتأثر بمحيطها العربي، وتتعرض في الآن ذاته إلى تأثيرات القوى الإقليمية والدولية، ذلك ما يزيد المشهد السياسي الفلسطيني الخاص، تداخلاً، وتعقيداً، واضطراباً، الذي بات يشهد أكبر عملية خداع وتضليل سياسي في تاريخ القضية الفلسطينية، يتداخل فيه الخاص مع العام، والجهوي مع الوطني، والإقليمي مع الدولي، والديني مع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والمعاناة مع الرفاه، والحلم مع الحقيقة، إنه مشهد بات غريباً عجيباً، لا مثيل له على الإطلاق، إنه تراجيديا يزداد ألمه يوماً بعد يوم، وكوميدياً سوداوياً، يزداد سواداً يوماً بعد يوم، ولم يعد يدرك الشعب الفلسطيني إلى أين تسير به السفن، هل إلى الغرق أم إلى النجاة...!
رغم إدراك القيادة الفلسطينية، لتعقيدات هذا المشهد، ومحاولتها الهادفة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوطن والحقوق الفلسطينية المهدورة، ووقف المعاناة أو تقليصها على الأقل للشعب الفلسطيني سواء داخل الوطن أو في الشتات، باتت هي الأخرى تعاني من الإحباط الذي يعاني منه عموم أبناء فلسطين، فلا مقاومة مجدية، ولا مفاوضات مفضية إلى الأمل بالخلاص من هذا المشهد الكئيب، والانتقال إلى وضع أكثر انسجاماً ما بين رؤية القيادة ورؤية عموم الشعب، لقد تمزق الرأي العام الفلسطيني إلى شظايا متناثرة جراء هذا الإخفاق والإحباط الذي يكاد يصل إلى درجة اليأس من شدة التعقيدات والتداخلات بين السياسات المتعارضة والمتقاطعة في اللحظة وفي الموقف الواحد لمختلف القوى والفصائل.
إن حركتي فتح وحماس يقع على عاتقهما المسؤولية الفلسطينية الكبرى في إنهاء حالة الانقسام، وعليهما إدراك الحقيقة أن فلسطين أكبر من كل الحسابات الفصائلية الأيديولوجية والنفعية، وأن المشروع الوطني الفلسطيني يحتاج إلى التقائهما، وليس إلى انقسامهما، وعليهما ألا ينتظرا أحداً ليأتي وينهي الانقسام القائم بينهما، والكل منهما يدرك أن المستفيد الوحيد من هذا الانقسام هو العدو الإسرائيلي، كما أن الطرف الفلسطيني الثالث مع الأسف الذي يسمي نفسه ((باليسار)) فقد تهافت، وأصبح دون لون أو طعم، بل ضل ضلالاً بعيداً، فمرة يصطف خلف فتح، وأخرى خلف حماس، أي يسار هذا الذي لا يستطيع أن يحرك مئة من أفراد الشعب، ويمارس انتهازية سياسية طفولية غبية، تتعارض ومفاهيمه الأيديولوجية، في اصطفافاته السياسية، خلف منظمات المجتمع المدني، التي ما هي إلا مؤسسات ((الاختراق الإقليمي والدولي)) للحالة الفلسطينية، أو خلف قوى الشد العكسي المجتمعي والسياسي أحياناً أخرى.
إن ارتباطات حركة حماس بجماعة الإخوان المسلمين ورؤيتها السياسية، تشكل عائقاً أمام إنهاء الانقسام، كما تشكل مدخلاً للعبث الإقليمي والدولي بالشأن الفلسطيني، فلابد لحركة حماس من مراجعة هذه العلاقة وتوظيفها في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني الجامع، الذي يتفق الجميع على تحديده بالبرنامج الوطني المرحلي، من دون مزاودة شعاراتية، تقود إلى الاصطدام، وتبرر الانقسام، ليدخل الشيطان في التفاصيل، ويتمكن من تدمير هذا الحلم الوطني الجامع للفلسطينيين، وتصفية القضية وفق ما يخطط له العدو الصهيوني ليلاً نهاراً، من أجل الحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية، على حدود الرابع من حزيران 1967م والقدس عاصمة، وحل مشكلة اللاجئين وفق القرار 194 لسنة 1948م.
إن الأمانة والمسؤولية الوطنية تقتضي أن تتحمل القيادات مسؤولياتها كافة، والقيادة ليست تشريفاً، سواء في حماس أو في فتح أو في أي تشكيل آخر، إنها عزم، وحزم، وإرادة، ورؤية صائبة وثاقبة، لتحقيق أماني وتطلعات الشعب الفلسطيني، وقدرة على امتلاك القوة والمشروعية، لاتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة، والمواقف اللازمة، لإنقاذ حلم الشعب الفلسطيني من التردي والضياع، وتحقيق أهدافه الوطنية، وإلا سيقف الجميع أمام التاريخ، وأمام الشعب، وسيقول التاريخ كلمته، كما سيقول الشعب كلمته، والشعب يمهل ولا يهمل، والله أكبر من الجميع.
اغتنموا الفرصة قبل فوات الأوان...!!!