م. برجس حمود البرجس
حسب الكتاب الإحصائي السنوي الأخير لوزارة العمل في المملكة العربية السعودية للقطاع الخاص، ارتفع مجموع رواتب «غير السعوديين» 37 مليار ريال خلال سنتين (من 79 مليار ريال إلى 116 مليار ريال). ويمثل هذا الارتفاع 47 % زيادة في مجموع الرواتب لغير السعوديين، مع أن عدد العمالة الوافدة ارتفع فقط 18 % أو 1.2 مليون عامل (من 7 ملايين إلى 8.2 مليون).
يأتي هذا الارتفاع ضمن برنامج «نطاقات»، الذي حذرنا منه؛ إذ إنه كان من الضروري رفع عدد العمالة الوافدة لتتهيأ نطاقات من توظيف السعوديين في الوظائف المتدنية. وانخفض متوسط رواتب السعوديين 24 % خلال الفترة نفسها بعد توظيف 622 سعودياً خلال سنتين بمتوسط رواتب 3933 ريالاً، كمتوسط راتب مخرج نهائي.
لا شك أن هذه الزيادة في عدد السعوديين في القطاع الخاص غالبيتها «سعودة وهمية» كما هو واضح من الرواتب. ومع مضي الوقت في برنامج «نطاقات» سيستمر انخفاض متوسط رواتب السعوديين، وهذا سيضعف الاقتصاد المحلي، ويضعف القوة الشرائية ومتوسط دخل الأسرة في المملكة.
هناك مهن مهمة تأثرت كثيراً بهذه التغيرات. فخلال سنتين انخفض متوسط الرواتب لـ»المديرين ومديري الأعمال» بمقدار 25 % من 9315 ريالاً شهرياً إلى 6970 ريالاً شهرياً، تم ذلك خلال زيادة عدد الـ «المديرين ومديري الأعمال» من 53 ألفاً إلى 126 ألفاً. وكذلك «المهن الكتابية» التي كان عدد موظفيها السعوديين 209 آلاف ارتفع خلال السنتين إلى أكثر من الضعف؛ إذ وصل إلى 424 ألفاً، ولكن متوسط الرواتب انخفض بمقدار 16 %. أيضاً، متوسط رواتب «المهن الهندسية الأساسية المساعدة» انخفض بمقدار 14 %، وكذلك «مهن الخدمات» انخفض بمقدار 7 %.
هناك تأثير سلبي لمخرجات برنامج «نطاقات»؛ فقد تأثر قطاع «التشييد والبناء»، وتضخمت أسعاره. وهذا النوع من غلاء الأسعار في الأجور غير مباشر وغير ملموس، لكنه ينعكس على المواطن. ففي قطاع التشييد والبناء ارتفع عدد العمالة خلال السنتين بمقدار 1.2 مليون عامل، منهم فقط 20 % سعوديون، ولكن مجموع رواتب هؤلاء الـ 1.2 مليون عامل ارتفعت بمقدار 21 مليار ريال، منها 45 % رواتب السعوديين، أي أن تقريباً نصف الرواتب للسعوديين، مع أن عددهم لا يتجاوز 20 %. هذه التكاليف الزائدة يتحملها المواطن والمشاريع الحكومية.
القراءة العميقة في مجال تطوير الأعمال للمتخصص توضح أن برنامج «نطاقات» بأنواعه وإقحام الكوادر الوطنية في القطاع الخاص بالآلية نفسها سيؤثران سلباً على الأعمال والأسعار كما يأتي:
(أولاً): سيكون هناك زيادة في العمالة الوافدة أكثر من ضعف العمالة السعودية؛ فعملية الإحلال ليست سليمة.
(ثانياً): ارتفاع كبير في مجموع رواتب العمالة الوافدة التي ترحّل جميعها خارج المملكة.
(ثالثاً): انخفاض في متوسط رواتب السعوديين، وهذا يؤثر في الاقتصاد المحلي والقوة الشرائية ومعدل دخل الأسرة.
(رابعاً): زيادة السعودة الوهمية التي سيصعب السيطرة عليها؛ إذ إنه إذا تم حصرها فإن تلك الكوادر ستفصل من وظائفها، وترتفع البطالة بشكل كبير.
(خامساً): ارتفاع في أسعار السلع والخدمات؛ إذ إن المقاول والتاجر سيحمّل الفاتورة على المشتري المواطن والمشاريع الحكومية.
ذكرت في مقال سابق قبل أسابيع قليلة أن البطالة ليست المشكلة الكبرى في قطاع الأعمال، بل إن الوظائف المتدنية ستكون عبئاً كبيراً على الدولة، وهي أسوأ من البطالة، وسيستحيل حلها.
وفي السنوات العشر القادمة سيدخل سوق العمل أكثر من 4 ملايين شاب وشابة، فيما يقابله تقاعد 500 ألف شخص فقط؛ وهذا يلزم مسؤولية وضع خطط استراتيجية للدخول في أعمال خلّاقة للفرص الوظيفية المناسبة للمواطن من حيث نوعية العمل والمردود المادي.
إذا ما أردنا أن نعرف سبب استمرار مشكلة البطالة وزيادتها، وأيضاً مشكلة الوظائف المتدنية، فلننظر إلى مخرجات السوق السعودي. فنحن لا ننتج أي سلع أو خدمات؛ فليس لدينا خدمات وأعمال تكنولوجية ولا صناعة كمبيوترات ولا أجهزة طبية ولا صناعات متقدمة ولا صناعة سيارات ومعدات ولا أجهزة ولا صناعات سفن وطائرات وفضاء.. فعجباً أن نبحث عن علاج دون وعي بالوضع القائم.
على مجلس شؤون الاقتصاد والتنمية أن يعلم أن المشكلة ليست البطالة فقط، ولكن الوظائف المتدنية والسعودة الوهمية أسوأ من البطالة التي نسبها المزعومة غير صحيحة؛ فأرقام الوظائف والبطالة في التقرير الأخير لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات ووزارة العمل لا تتوافق مع تفاصيلها في تقارير أخرى؛ إذ توضح التقارير أن عدد العاملين السعوديين 4.9 مليون شخص، وهذا لا يمكن أن يكون صحيحاً؛ فعدد العاملين في القطاع العام الحكومي 1.2 مليون شخص، والقطاع العسكري 800 ألف تقريباً، وعدد العاملين في القطاع الخاص 1.5 مليون شخص، أي أن المجموع 3.5 مليون شخص.
فالسؤال: من أين أتينا بالفرق 1.4 مليون موظف!!! علامة تعجب وليست علامة استفهام.