إبراهيم عبدالله العمار
في عملية تعذيب الثيران في إسبانيا (وهي التي تسمى كذباً مصارعة الثيران) يحرك الماتادور قطعة قماش حمراء ليستفز الثور. هل خطرَ في بالك سؤال لماذا اختاروا هذا اللون؟ ظننا أن الأحمر يستفز الثور ولكن اتضح أن الثور لا يميز الألوان جيداً، وثبت هذا بالتجربة، فنزل أشخاص يحمل كلٌّ منهم قطعة قماش، كلها متشابهة عدا اللون، فيها الأحمر والأزرق والأبيض، فَهَرولَ الثور ببرود نحوها كلها، ولما لوّح كلٌّ منهم بقماشه انطلق الثور نحو كل منهم بلا تفرقة، فاتضح أن اللون لا يؤثر وإنما الحركة هي التي تستفز. هدف الأحمر أيضاً أن يموه لون دم هذا الكائن المسكين.
سؤال عن كائن آخر: لماذا ينجذب الفراش للنار؟ لأحقاب طويلة تعوّدت الفراشة الاستبصار بنور الشمس والقمر لتعرف طريقها وتمشي باستقامة، لأنها من الكائنات المتفاعلة إيجابياً مع الضوء، عكس كائنات أخرى تنفر منه وتعشق الجحور، لذا تعودَت الفراشة أن الضوء بعيد لأن الطبيعة ليس فيها أنوار عادةً، وتعودَت أيضاً أن ضوء الشمس والقمر يتغير مكانه في أوقات مختلفة في اليوم بشكل ثابت بحيث يقع على منطقة معينة في عينها فتُغيّر اتجاهها بناءً على هذه المعلومات، وهذا ما يحير الفراش عندما تأتي حول النار، فهي تعرف أن الضوء (كضوء القمر) لا يفترض أن تصل إليه الفراشة وإنما هو مجرد دليل بعيد، أما الآن فقد وصلت لمصدر النور وهو شيء لم تضعه في الحسبان! وبما أنها تعودت على تغيير اتجاهها بحيث تطير في خط مستقيم فإنها الآن تعلو مصدر النور مباشرة، فيبدأ التشويش وتّغيّر باستمرار خط مسارها وهذا ما يجعلها تدور حول النار في دوامة لا تنتهي. الفراشة لا تنجذب للنار.. هي فقط ضائعة محتارة.
أخيراً، هناك أعداد هائلة من النمل في كل مكان، وبسبب صِغرها فإن الأقدام تطأها كل يوم وتقتل أعداداً كبيرة. ألم تتساءل عما يحدث لتلك الأعداد الكبيرة من النمل الميت؟ أين تختفي؟ هل يقذفها الهواء بعيداً؟ أين تذهب يا ترى؟ هذا من غرائب هذه المخلوقات العجيبة، والذي يتأمل النمل سيجد عالماً مدهشاً، والنمل يشابه البشر هنا، فبعد موت النملة فإن النمل يمر بجانبها ولا يكترث، وبعد يومين تفرز النملة الميتة رائحة نفاذة ينتبه لها النمل، رائحة تُنبئ أن النملة ماتت وأنه لا بد من التعامل مع هذا، لأن الميتة تجمع البكتيريا إذا تُرِكَت، فألهم الله النمل أن يستجيبوا لتلك الرائحة بأن يتتبّعوا مصدرها وإذا وجدوا الميتة حملوها ووضعوها في مقبرة خاصة للنمل. هذا ما لاحظه العالِم الذي اكتشف هذا، وليتأكد فقد عزل الرائحة (وهي تأتي من حمض اسمه الزيتيك)، وصنع قطرات أخذ بعضها وصبغ به نملة حية، فلما شمها باقي النمل نزلوا عليها وحملوها وهي تتحرك وتقاوم حتى وضعوها في المقبرة وتركوها! وهذا ما بيّنَ حقيقة أخرى: الشم أقوى حاسة عند النمل، وهي التي لها الأفضلية. النمل عندما حمل تلك النملة الحية شعر بها تقاوم وتحاول النزول فكان واضحاً أنها ليست ميتة ولكنهم لم يهتموا، فعند النمل الرائحة هي الحقيقة وإن خالفها البصر واللمس.