د. حمزة السالم
«أخرجت فاجعة رحيل الملك الصالح، عبد الله بن عبد العزيز، وحدة شعبية سعودية واحدة التفت حول مُلكٍ قوي ثابت الأرجاء بحبل من الله وحبل من الشعب السعودي. مُلك صمدٌ، عماده سلمان ووتداه المُحمدان.
«أمر الملك أمر عظيم، فلم تعز أمة قط لم يعز مُلكها ولم تذل أمة قط إلا بهوان مُلكِها. ولهذا ضحى الحكماء والعقلاء بأعمارهم في إحكام بناء المُلك. ولهذا أفنى الفرسان والنبلاء أرواحهم دون جنابه. ولهذا سخر الأمراء طموحاتهم للذود عن حياضه، وقد ترفعوا عن سفافات السفهاء ومكائد الحاسدين فالملك لله يؤتيه من يشاء عباده {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} (54) سورة النساء.
«وللرجل من اسمه نصيب، إلا أن بعض الرجال كمقرن بن عبد العزيز يكون لاسمه نصيب من فعاله. فقد جمع ووصل ووزن فقرن، فهو مقرن، ولهذا أسماه أبوه الملكُ العظيمُ مقرناً، فجمع الله به أسرته ووصل أخاه بطاعته ووازن الملك بحكمته وسماحته. فلم تقترن الإمارة باسمه من منصب، بل لأن الإمارة اشتقت اسمها من فِعال مقرن بن عبد العزيز. فهو الفارس الطموح الذي سخر فروسيته وطموحاته ونفسه طاعة لمليكه ووفاء لأسرته وتضحية دون شعبه.
«ذاك مقرن الحكيم المعظم لشأنِ الملك، فالمُلك حصن الأمة لا حصن الرجل. والمُلك عز الأمة لا عز الرجل، فلا عز لملك لا تعز أمته به، ولهذا قرن الله بين مُلك الأمة وبين عزتها في قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} (26 - 27) سورة آل عمران. فعزت الأمة واغتنت وملكت الأمم بعز مُلك الصديق والفاروق وذلت الأمة وافتقرت وتكالبت عليها الأمم بالاختلاف على مُلكِ عثمان وعلي.
«هذا هو صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز، فكما كان لاسمه وإمارته نصيب من فعاله، فكذلك كان لقبه. فقد سما صاحب السمو فارتفع بسمو إمارته فشرف أباه وإخوته وأسرته عن أي مشابهة لأسرة حاكمة أو عشيرة عربية.
«نعم هذا مقرن الشهم الفارس النبيل هو أمير منا نحن السعوديين، فلتُرينا العرب والعجم والممالك والجمهوريات والدول أمراءهم وزعماءهم ونبلاءهم وفرسانهم إن استطاعوا.
«من رحم المآسي والأحزان والشدائد تخرج الأمم العظيمة، كما يخرج من رحمها ما جَهض من بائس الأمم وحقيرها. ونحن السعوديين قد أثبتنا بالتفافنا حول مُلك بلادنا، بعد فاجعة رحيل الملك الصالح، بأننا أمة عظيمة، وسوف نثبت ذلك مرة أخرى بعد أن أدركنا خطر نازية الملالي الإيرانية و بعد أن أدركنا بدايات إرهاصات انصراف النفط، الحليف السياسي والداعم الاقتصادي والنصير العسكري. فلعل هذا أن يُخرج فينا حقيقة الاعتماد على العقل الوطني. ويحفزنا لإعادة النظر والتخطيط في سياسة الاعتماد على المستشار الأجنبي، لتحويل فترة الاعتماد على المستشار الأجنبي لفترة مرحلية تصل بنا لمرحلة استقلالية. والاستقلالية العلمية الفكرية ستقودنا لمرحلة تصدير الاستشارات المهنية الرفيعة، فنتصدر بذلك تاج عقول الأمم، ومن تتوج الرأس تتوج الجسد.
«فالدم الدم والهدم الهدم، فلا بيعة إلا لسلمان ملكاً ولمحمد بن نايف ولياً لعهده ولمحمد بن سلمان ولياً لولي عهده. ولا حلف إلا حلف الرجل السعودي والمرأة السعودية. ولا حصن إلا حصن الديار السعودية. ولا راية إلا راية العهد السعودي.
«المملكة العربية السعودية وطننا وهي الحليف الدائم وهي النصير السياسي وهي القوة العسكرية والاستخباراتية والقوة الاقتصادية الدائمة. وقد أثبت التاريخ أن عزم الشعوب أعظم قوة جبارة على الإطلاق، إذا اتحدت صدقا حول قيادتها فكانت واحدا في كلٍ وكل في واحد. وقد خرجت في سنوات معدودة، بلاد وأمم محطمة بائسة تعيسة مهدمة من تحت حطام الدمار الشامل ومن ذل وقهر الفقر المدقع، فالتفتت حول قيادتها وحالفت شعوبها وتحصنت بوطنها وأرضها، فاعتلت عرش الأمم، أفلا نقدر نحن السعوديين على أن نعتلي عرش الأمم، وقد مَنّْ الله علينا بالوحدة والأمن والوطن والنفط فاختصر علينا كثيراً من مصاعب وتحديات طريق الكفاح والنجاح؟ بلى سنقدر وسننجح بعون من القوي المتعالي سبحانه.