د. حمزة السالم
الشجاعة والحلم والكرم كالحزم، جميعها تختلف باختلاف مواقفها المُستجلبة لها فتختلف باختلاف الحال أو الزمان أو المكان. فحزم الأب أو الأم مع الابن، يختلف عن حزم كل منهما مع الآخر. فقد يكون الحزم مع الابن في أمر، نوعا من عقوبة، ولكن حزم الزوج لزوجه، لا يكون إلا تفاهما. وكذلك هو الحزم الأبوي للأبناء يختلف في زمن الطفولة عن زمن المراهقة عن زمن الشباب. وحزم الضابط مع جنده في حال السلم يختلف عن حزمه معهم في حال الحرب. ففي السلم يأتي الحزم العسكري مُجردًا عن المشاعر الإنسانية، بينما يأتي حزم الضابط مع جنوده في حال الحرب وقد اكتسى بأرقى معاني الأخوة والمشاركة والتضحية. وكذلك هو حزم المدرس مع طلبته، يأتي مُتشددا مُعسرا أثناء التدريس، بينما يأتي حزمه حكيما متفهما ميسرا أثناء الاختبار.
وحزم مدير الجامعة مع الطالب يختلف عن حزم مدير المدرسة مع الطالب. فالمدرس الجامعي يتمتع باستقلالية كبيرة (لأنه يُعلم الطالبَ كيف يُفكر، لا يُملي عليه بماذا يفكر، أو هكذا يُفترض). فاستقلالية مدرس الجامعة، تفرض على مدير الجامعة أن يأتي حزمه متعاطفا مُتفهما للطالب. بينما لا يتمتع المدرس في المدرسة بهذا المستوى من الاستقلالية، فحزم مدير المدرسة مع الطالب يجب أن يأتي متعاطفا مع المدرس منتصرا له، فلا يصبح المدرس أضحوكة لطلبته.
وكذلك هو حزم الوزير مع المدير المسئول المرتبط به، يختلف عن حزمه مع الموظف البسيط في وزارته، كما يختلف عن حزمه مع المواطن وعن حزمه مع الإعلام. فوجه الحزم يجب ألا يُسفر مطلقا ضد مواطن من أي مسئول حكومي، فكيف بالوزير؟ بل فكيف أن سُفر في حال حرب، بل وعند الثغور وفي وجه حماة الثغور.
- حال المواطن مع وزير الصحة حين أسفر الوزير عن وجه الحزم ضده، كحال الأب وابنه الشاب الكبير، كان يجب أن يُقدم بإشفاق للمواطن بشكل نصيحة ترشده لحل بديل يدعمه معاليه، أو كحال الضابط مع جنده في الحرب، فيُشارك المواطن في همه ويتحمل معه وعنه، أو كحال مدير الجامعة مع الطالب، فيظهر للمواطن تعاطفا وقلة حيلة اليد. فإن فات على الوزير ذلك كله فلا أقل أن يكون حاله مع ذلك المواطن كحاله الذي يجب أن يكون عليه الوزير مع موظف بسيط عنده.
فوجه حزم السلطة والتشدد يجب ألا يُسفر إلا على الأنداد المشاغبين أو أشباه الأنداد، والمديرين المقصرين أو المتلاعبين المرتبطين به، أو على المشاغبين من أشباه الأنداد العابثين.
- فشكر الله للملك الحازم حزمه مع الوزير، فهذا حزم الملوك، وشكر الله لرئيس الديوان الملكي حزمه مع حالة المواطن الخاصة، فهكذا هو حزم الأمراء والفرسان والنبلاء. ففي حال الوزير والمواطن والمليك والأمير، قد صدق قولهم «ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر... كوضع السيف في موضع الندى».
وأعتقد أنه قد وصلت الرسالة جيدا لكل وزير ومسئول، فكسب قلوب الشارع هي مهمة أساسية من مهام الوزير في كل أنظمة الحكم في كل زمان ومكان ودولة، فالحكومة خادمة الشعب. وكسب قلوب الشارع يحتاج لكثير من خفض الجناح والتواضع، وصاحب العقل متى اعتلى مكانة في قومه، صغرت عنده نفسه فتواضع للناس، واختار مساعديه وممثليه ليمثلوه في ذلك، وقد رأيت هذا مُسبقا في الديوان، وشهدت به في مقالي جازما بعموميته لا خصوصيته، وبنيت عليه رؤيتي للعهد الجديد.
ولكي لا تقف مدلولات هذه الرسالة الملكية الحازمة عند ذلك أو يعتقد البعض إمكانية تفاديها بعدم النزول للشارع والاحتجاب عن المواطن والإعلام، ففي إلزام الوزراء بذلك أمر ملكي، لتوضيح السياسات للشارع وللإعلام لقطع الإشاعات الهدامة، ولتلقي الأفكار من الشارع، وليُجعل من الشارع خير عون له في الرقابة؟ ولا حجة لأحد، وشاهدي على ذلك توفيق الربيعة. فلم أرَ وزيرا عندنا في بلادنا، أكثر نزولا للشارع وارتباطا به من وزير التجارة المُوفق، فهو على اسمه مُوفق قد ازدان قلبه ربيعا من الصفاء والإخلاص خلف له ذكاء وفهما وفطنة فوفى بعهده لمليكه في وزارته ووفى بعهد حب المليك لشعبه، فرضوا عن وزيره.
فمن باب الذكرى والمناصحة للوزراء والمسئولين، فإني أتوسل إليهم بما اجتمعنا عليه من عشق الوطن السعودي وحب مليكه الحازم وأخوة الشعب السعودي، فأتطفل مُذكرا بالعهد السلماني السعودي الجديد، فالله الله لا يُلتف على رسالة الحزم بعدم نزول الوزير والمسئول للشارع بالكلية أو الاختباء خلف تصريحات رسمية، فالخلاف في صوت المرأة وحديثها للرجال في الأمور العامة، خلاف فقهي شاذ ضعيف. فإن كان هناك وزراء حاولوا النزول للشارع والحديث مع الإعلام، فلم يُوفقوا فلم يتقبل الشارع حديثهم فذلك لكونهم تحدثوا من برج عال.
وإن كان وزير الصحة لم يُحسن التعامل مع المواطن، فتحمل مسئولية الوزارة، فمن باب أولى أن يتحملها من لا ينزل للشارع بعد ذلك ولا يرد على الصحافة، متعاليا أو مختبئا أو متذاكيا على رسالة الحزم الملكية. وقد ضرب ملك الحزم مثلا أعلى، فسلمان كل يوم مع الناس يسمع لهم ويسمعون منه، ذاك دأبه في شبابه ورجولته، وفي إمارته وفي ملكه، فكفى به قدوة يقتدى بها من حمل حقيبة وزارة لسلمان الحزم.