د. حسن بن فهد الهويمل
القراءة الأجدى:-
أنَّ الأوامر الملكية: التشريعية منها، والتنفيذية مسؤولية رجل يملؤنا ثقة، ومحبة. ويمتلئ خبرة، وأهلية، تمكنه من الضربات المفصلية، التي تنتزع القبول، والإعجاب، والاطمئنان، وتفتح آفاقاً من التفاؤل، وحسن الظن، واستشراف المستقبل.
وستظل كفاءات الأسرة الحاكمة معين لا ينضب، وكل حفيد يقول:- أنا لها. وولي الأمر ينثر كنانته، ويعجم سهامه، ويلتمس لرؤيته من يثق بأهليته، وقدرته على تحمل المسؤولية، وأخذها بحقها.
ولا يسعنا، وقد قضي الأمر على خير وجه، إلا أن نبارك، ونبايع [المحمدين]: [محمد بن نايف] و[ محمد بن سلمان].
ونودع [مقرن بن عبدالعزيز] بالحب، والثناء، والذكر الحسن، إذ لم يزل حميد السجايا، في الحضور والغياب.
ونتمسك، كما [سلمان] بِعَرَّاف السياسة [سعود الفيصل] ولا نحتمل مفارقته، ولهذا بقي قريباً من عشقه.
دور المواطن، بعدما قضي الأمر، الذي يجول في الخواطر، وبعدما قطع [سلمان] قول كل خطيب، ينحصر في الأمور التالية:-
- الدعاء الصادق في ظهر الغيب، وفي ساعة الاستجابة، أن يسدد الله الخطى، ويجمع الكلمة.
- حفظ الساقة، والمقدمة، لكيلا تؤتى الأمة من قبله.
- النصح من خلال القنوات المتاحة، وبالسرية التامة.
ثم إن قراءة الحدث بوصفه أمراً ملكياً، أو قراراً إدارياً، لاستكناه دوافعه، والتعرف على غاياته، وترجمته من حبر على ورق، إلى فعل ناجز، وجهان لعملة واحدة.
وتبقى الفوارق التعبيرية حقاً للمتجسد بين الأطراف المتناغمة، أو المتناشزة. فانتماء الوجهين لأصل واحد، لا يقتضي إلغاء الفوارق بينهما.
وعليه فإن القراءات المتعددةِ المسارب، والمشارب، لا تعدم القواسم المشتركة التي تمنح الاختلاف المشروع قسطاً من القبول، كي تمكنه من تخصيب الدلالة.
وليس لأحد كائناً من كان أن يحول دون المقاربة، لمزيد من التبئير، متى توفرت الإمكانات، واستقرت الأهلية. ولا سيما أن النص الأمكن، هو وحده الذي يستوعب أكبر قدر من القراء المختلفين.
والخليفة الراشد [علي بن أبي طالب] رضي الله عنه، ربما كان الأوعى في فهم خصوصية النص القرآني، وذلك حين حذر من جدل المخالف بالقرآن، لا لشي، إلا لأنه نص حمَّال أوجه. وملاذات المخالف في مثل هذا النص تمنحه قدراً من القوة، وتعدد طرق الخلاص.
أعرف أن قراءة الأوامر الملكية، لا ترتبط بمعاني مفرداتها الوضعية، وإنما تحيل إلى نتائجها، وما تؤسس له من مستقبل واعد، وما تؤسس عليه من حيثيات.
ومعترك الأقران في المؤشرات، لا في الدلالات، واستدعاؤنا للنص التشريعي لمجرد التقريب، وضرب الأمثال.
وولي الأمر حين يُقدم على قرار له ما بعده، يدرك أنه مسؤول عنه، ومرصود بكل ملابساته على صفحات التاريخ، وكل مسؤول يتجسد من خلال فعله، لا من خلال ادعائه.
والأمة التي منحت ولي أمرها ثقتها، ومحبتها، وولاءها، ورضيت به قائداً، ورائداً، لا يمكن أن يدخر ما في وسعه في سبيل أمنها، ورخائها، واستقرارها، وعزتها.
وهو إذ خبر المناصب، ووقف على أدق تفاصيلها، في أمر السلطات الأربع:- التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والإعلامية، فإنه لن يدخر وسعاً في سبيل الأخذ بالأهدى، والأجدى.
ومع هذا، وذاك، فالله وحده الموفق، والهادي إلى سواء السبيل. وما يفعله المسؤول المخلص جهد، لم يتخذه، إلا بعد الاستخارة، والاستشارة، والتحري الدقيق. وهو في النهاية جهد بشري، لا ندعي له العصمة، ولا الكمال، ولا نزكية على الله.
والميدان هو مجال الاختبار. فإن كان الاختيار موفقاً، والمكلَّف أهلاً لهذا التكليف، والتشريف، هُيِّئتْ له الأجواء، وذلِّلت له الصعاب، وشُدَّ من أزره، واستجيبت مطالبه.
وإن كان دون ذلك، أعطي أكثر من فرصة، فإن تلافى التقصير، والخطأ تجاوز مرحلة التجريب، وإلا سُرِّح، كما سرح غيره.
وذلك بعض ما قصدت حين كتبت مقالي:- [أيها المسؤولون جاءكم سلمان فاستمعوا له].
وما على ولي الأمر من بأس، إذا استكمل متطلبات الأمر، والفعل. واتخذ الحيطة، والحذر. والتمس الكفاءة، والأهلية، ثم لم تأت الأمور على ما يرام.
والمسألة كلها رهن النوايا الحسنة، والمقاصد السليمة، وذلك ما نحسبه في ولي أمرنا، والله حسيبه.
وبلادنا منذ عهد المؤسس تسير على هَدْي من الكتاب، وصحيح السنة، وتستكمل متطلبات المجتمع المدني، لتتناغم مع المجتمع الدولي، وتحتفظ بخصوصيتها: الدينية، والمجتمعية.
ونتائج حكمتها في المواقف العصيبة، وحسن إدارتها للأزمات، وبراعة علاقتها مع الآخر، تمثلت بالتأييد، والدعم، والمناصرة، عندما اتخذت القرارات المصيرية كـ [تحرير الكويت]، و[عاصفة الحزم].
عندما تلقَّى المواطنون الدفعة الثالثة من الأوامر الملكية [فجر يوم الأربعاء]، تذكروا حديث [بورك لأمتي في بكورها]. وبدأ سيل القراءات، يتدفق من كل جانب، وأخفتها صوتاً المناوئ، والمشكك.
فمن قراءة يقتصر ابتهاجها على تمكين عنصر الشباب من إدارة دفة المسؤولية، ولا سيما أنها مكتنفة بالكهول، والشيوخ.
هذه القراءة، تود أن يكون الدفع بالشباب محسوباً بكل دقة، محاطاً بالخبراء، والمجربين.
ومن قراءة أخرى تستبشر بدخول [أحفاد الملك عبدالعزيز] في مؤسسة الدولة التشريعية.
وهم قد دخلوا من قبل في مؤسسة الحكومة التنفيذية، وأثبتوا قدرتهم، وأهليتهم، ورَوَّضوا أنفسهم، تحفهم عيون آبائهم الحانية.
ومن قراءة أخرى، تواكب تلك، ولكنها تبارك المبادرة في وقت لم يغب تأثير [أنجال المؤسس].
وهذه القراءة تحتفي بوجود الأبناء، لتثبيت أفئدة الأحفاد، والربط على قلوبهم.
وهي قراءة تحيل إلى القبول بتلقي الأحفاد راية القيادة من الأبناء. ومن المبشرات التدافع في المباركة، والتأييد من أبناء المؤسس، وأحفاده، وسائر مكونات الشعب السعودي.
قراءات متعددة، ولكنها متناظرة، متقاربة. ولديها فيض من التفاؤل، وحسن الأمل.
ومع تعددها، وتنوعها فإنه لم يعد هناك ضابط، ولا سلطان على هذا التنوع، ولا على تفاوت الترجمات، وتباينها.
والأهمية ليست في توحدها، ولا في تعددها، ولكنها في اقترابها من المصداقية، وفي تأثيرها على الأداء سلباً، أو إيجاباً.
كنت ولما أزل راصداً حذراً، لكل الحراك المصيري. وقارئاً، محللاً، ومقوماً. لا تجرفني عاطفة الحب، ولا يعميني الزهو بالمنجزات. ذلك أنني واحد من أهل السفينة، قلت، أم لم أقل، تفاءلت، أو أوجست مما حولي خيفة.
وحين أتلبس بالقول طائعاً مختاراً، أحذر الآخرة، وأمتثل التوجيه الحكيم وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا .
يتبع...