ناصر الصِرامي
هناك حالة سعودية ملكية خاصة، لا بد أن نضع المجهر على ملامحها، وخصوصاً في بيت الحكم السعودي، حيث العلاقة الإدارية والعائلية بين أفراد العائلة المالكة، عائلة آل سعود، وهي أسرة أقامت ثلاث دول أولها الدولة السعودية الأولى، وثانياً الدولة السعودية الثانية، وحالياً المملكة العربية السعودية.. والمقصود هنا ذرية الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة المعاصرة، ويطلق عليهم لقب «أصحاب السمو الملكي».
والحالة التي أشير إليها هنا، هي حالة «السمو» نفسها، عند من أُوكل إليهم مسئولية أو منصب مهما كان، حيث الدخول للمنصب خدمة للملك والوطن، والخروج حالة قبول تام بالإرادة الملكية المطلعة.
عايشنا الكثير من حالات الصعود إلى قمة الهرم في السلطة بالدولة، إلى خروج وتبديل والتغيّر بحسب المصلحة التي يراها الملك، ومصالح الوطن العليا في حاضره ومستقبله، حيث يكون قبول الإرادة الملكية في أجمل صورها من الوفاء والسمع والطاعة من كل أفراد الأسرة الحاكمة، مهما كان مستوى حضورهم السياسي أو الإداري أو حتى التراتب السني.
حالة خاصة، وملمح مهم، يؤسس من داخل العائلة الملكية لتقليد يعود إلى بدايات التأسيس الأولى، ليحفظ لحُمة وطنية واحدة في مواجهة المستقبل والتغيرات والتحديات.
ودائماً ما نطالع - كإعلاميين - تخريصات وتحليلات المحللين الغربيين بالكثير من السخرية الصامتة، ليس لأن البعض منهم يخطئ في التفريق بين أسماء الأمراء المؤثرين وحتى مناصبهم أحياناً، لكنهم أيضاً يعجزون عن إدراك التشابك الاجتماعي في الدائرة الخاصة العليا وأصولها المتوارثة..كما حقيقة التأسيس والبرتوكولات والقيم والتقاليد الملكية للأسرة الحاكمة الراسخة في البلاد.
كل الأمراء الخارجين سابقاً وحالياً من المناصب الكبرى التي أوكلت إليهم، كانوا مدركين تماماً ومنذ الدخول الأول للإدارة التنفيذية في البلاد، إن قرار الملك وأمره هو الفصل.. وهو واجب السمع والطاعة، مع احترام كامل ودائم للتراتبية العمرية في إطار العلاقات الخاصة خارج مؤسسة العمل الملكية.
شاهدنا - مثلاً - صور الأمير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد السابق، وهو يبايع من بعده، ثم يزوره الملك في بيته، ثم يُوجه له خادم الحرمين رسالة تقدير ووفاء واحترام: «إننا والوطن جميعًا نحتفظ لكم بكل اعتزاز ما قدمتموه من خدمات وما بذلتم في سبيله من جهود وستظلون كما كنتم دائمًا قريبين منا ومن وطنكم»، كما عبّر له شخصياً الملك.
وضمن برقية تالية إلى الأمير سعود الفيصل: «تلقينا طلب سموكم إعفاءكم من منصبكم لظروفكم الصحية، وما حمله الطلب من مشاعر الولاء الصادقة لدينكم ومليككم ووطنكم, وهذا ليس بمستغرب على سموكم.. فقد عرفناكم كما عرفكم العالم أجمع على مدى أربعين عاماً متنقلاً بين عواصمه ومدنه شارحاً سياسة وطنكم وحاملاً لواءها، ومنافحاً عن مبادئها ومصالحها، ومبادئ ومصالح أمتكم العربية والإسلامية، مضحين في سبيل ذلك بوقتكم وصحتكم، كما عرفنا فيكم الإخلاص في العمل والأمانة في الأداء والولاء للدين والوطن، فكنتم لوطنكم خير سفير ولقادته خير معين»، قال الملك مخاطباً وزير الخارجية السابق الأمير سعود الفيصل.
الأمير سعود الفيصل في برقية جوابية إلى الملك سلمان قال: «سوف أظل الخادم الأمين».. مؤكداً على أن «ما تضمنته برقية الملك له من كلمات تعبّر عن كرم نفسه وأصالة معدنه، أكثر مما يستحقها شخصي المتواضع، وأكبر من جهد المقل الذي صاحب عملي وزيراً للخارجية».
-سعود الفيصل يتحدث عن جهد المقل.. ماذا يمكن أن يقول غيرك.. لكن تلك قصة أخرى..!-
مجرد أمثلة حاضرة الآن من قمة الأسرة المالكة، وطبعاً من يشاهد البيعة - أو البيعات في إطار وداخل الأسرة الحاكمة - مرة بعد مرة، سيجد صوراً ومشاهد لا تتوقف من «السمو» المستحق والمتبادل، لمن وجد الملك أنه «الأصلح» للعمل لخدمة الوطن وإعانته في مهمة القيادة.