د. محمد بن عبد الله ال زلفة
ما حدث لنجران الحبيبة في منتصف الأسبوع الماضي من اعتداء من قبل عصابة الحوثيين هز مشاعر كل مواطن سعودي لأنه عدوان غادر على جزء غال من بلادنا وركن مهم من أركان بلاد وحدها أبناء هذا الوطن المؤسسون لقيام هذه الوحدة العظيمة ولن يقبل أبناء وأحفاد المؤسسين أن تمس ذرة من تراب هذا الوطن الذي رويت بدماء آبائهم وأجدادهم الشجعان العظماء الذين ذهبت دماؤهم فداء لاكتمال وحدتنا الوطنية التي تعد أعظم منجز وحدوي عربي عرفه تاريخ العرب الحديث ووفاء لتضحيات صانعي الوحدة الوطنية سيموت الأبناء والأحفاد من أجل الحفاظ على هذه الوحدة العظيمة لأنها أمانة في أعناقنا ألا نُمَكن عدوا غادرا أن يمس ذرة من تراب هذا الوطن، ولقد تجلى هذا الموقف فيما يقوم به أبناء هذا الوطن الشجعان في رد المعتدي بل والإصرار على إلحاق الهزيمة الماحقة لتلك العصابة المعتدية المأجورة لتنفيذ مشروع فارسي وهم ببلاهتهم يجهلون أن بلاد العرب بشجاعة أبناء العرب لن تكون لقمة سهلة لتحقيق أطماعهم ويبدو بل من المؤكد أنهم لم يدرسوا تاريخ أبناء هذه الجزيرة التي ظلت عصية على كل الغزاة والمعتدين منذ عهد الرومان.
ونجران بتاريخها العظيم وبشجاعة أبنائها العرب الخلص خير دليل على ما أقول فعلى أرض نجران تحطمت قوة الغزاة الرومان والتاريخ شاهد على ذلك.
حاول أسلاف الحوثيين ممن تعاقب حكمهم على اليمن وعلى مدى قرون طويلة أن ينالوا من نجران وظلت بقوة وشجاعة رجالها ومعهم أشقاؤهم أبناء منطقة عسير وجازان جبال صلبة تحطمت عليها كل محاولات أولئك الأئمة الذين فرضوا بالقوة حكمهم على أنحاء واسعة من الهضبة اليمنية مستخدمين شعارات دينية فرضوها بالقوة على أبناء الهضبة اليمنية وعملوا على فرضها بالقوة على بقية أبناء اليمن الحديث مع أن هؤلاء الأئمة وأتباعهم ممن ينتسبون إلى آل البيت لم يكونوا إلا أقلية لا ينتسبون إلى أبناء اليمن - المعروفين بقوة شهامتهم- لا في النسب ولا في المذهب.
وكان الاعتقاد أن اليمن استعاد استقلاله وتخلصه من حكم إمامي ظلامي ظل يمارس الحكم بطريقة استعلائية بحكم انتمائهم إلى آل البيت على الأغلبية الساحقة من أبناء اليمن بقيام ثورة 1962م التي قضت على حكم إمامة وصفت بأنها آخر حكم ظلامي عرفه التاريخ. الآن يحاول الحوثيون أن يعيدوا حكم إمامي مذهبي منغلق على أبناء اليمن وبالقوة المسلحة كما كان يفعل أسلافهم طوال عصور حكمهم ولكونهم غير قادرين فما كان أمامهم إلا الارتماء في أحضان الفرس الخمينية ليكونوا سنداً وقوة لهم في إعادة حكم مذهبي ترفضه الشعوب العربية بما فيها اليمن التي تريد الانعتاق من حكم ظلامي لم يعد له مكان في التاريخ إلا في عقول الخمينيين ومن شايعهم من أتباعهم وبكل أسف في منطقتنا العربية ونحمد الله أنهم أقلية ولكنهم بدفع الأموال الفارسية والسلاح الفارسي والشحن المذهبي أشعلوا منطقتنا العربية بحروب مذهبية منذ قيام ما يسمى بثورة الخميني المرتكز على مفاهيم دينية بالية وبروح فارسية تحمل كل أشكال الحقد على أمتنا العربية.
قبل 85 سنة شن إمام اليمن حملة عسكرية غادرة على نجران انطلقت بقيادة ابنه الأمير أحمد بن يحي حميد الدين من صعدة على نجران بهدف ضمها إلى حكمه بالقوة زحفت القبائل التابعة للإمام على نجران دمرت قراه ودمرت مساكن زعماء نجران الدينيين من المكارمة في كل من بدر وحبونه وغيرها وشردت من بقي حيا من أفراد الأسرة المكرمية وذهبت لاجئة إلى أبها حيث استنجدوا بالملك عبدالعزيز في رفع الظلم الذي ألحقه جيش الإمام ببلادهم ومساكنهم وتعديه على أولادهم ومحارمهم ومن هناك تقدم جيش الإمام الغازي على نجران حيث قام رغم مقاومة أبناء قبائل نجران الشجعان بإحراق منازلهم وإحراق نخيلهم وتدمير آبارهم ولم يبق ذلك الجيش الغازي في نجران حجر على حجر وبروح انتقامية لم يعرف نجران لها مثيل في تاريخه وأمام هذا الطغيان الإمامي استصرخ زعماء نجران بالملك عبد العزيز طالبين النجدة للوقوف إلى جانبهم في تحرير أرضهم من الغزاة الذين مارسوا كل أنواع البطش والقهر بأبناء نجران لم تردعهم قيم دينية ولا أخلاق عربية.
وقام الإمام بأسر بعض زعماء نجران وأخذوهم إلى معتقلات في صعدة وبلدات أخرى التي يتحرك فيها الحوثيون الآن. سام الإمام الأسرى سوء العذاب وروى من نجا من الأسر أنواع العذاب والمذلة التي تعرضوا لها ولم يكتف بأسر هؤلاء الزعماء بل أخذ أولادهم وجعل منهم رهائن يستخدمهم للضغط على قبائلهم كإحدى وسائله في إرغام الآخرين على الولاء له، وكان هذا ديدنه مع زعماء وأبناء القبائل من أبناء اليمن قضى كثير منهم حياتهم في معتقلات الإمام انظر مذكرات من كتب عن تلك المعتقلات.
كان الإمام قبل شن غزوته على نجران في تواصل مع الملك عبدالعزيز عبر وفود سعودية ويمنية في محاولة لحل مسائل الحدود المختلف عليها ولم يكن الإمام مخلصاً في ما كان يجريه مع الملك عبد العزيز من محادثات رغبة من الأخير في حل المشاكل عن طريق التفاهم، وأثناء ما كانت المحادثات جارية غدر الإمام بالملك عبد العزيز وقام بغزواته لنجران دون أي اعتبار لكل ما كانت الوفود تناقش والبرقيات المتبادلة بينه وبين الملك عبد العزيز لم تتوقف. هنا أدرك الملك عبد العزيز أن الإمام لم يكن مخلصاً في كل ما كان يدور من مباحثات وإنما كان يريد استغلال الوقت والغدر في الوقت المناسب, وأن غزو نجران دليل قاطع على عدم جدية الإمام في حل الخلافات بالطرق السلمية وأن ما قام به عمل غادر لا يقوم به إلا من لا يحترم العهود والمواثيق، ومن هنا لم يكن أمام الملك عبد العزيز إلا أن يدخل الحرب مضطراً لتحرير نجران وحماية حدود بلاده الجنوبية تمكن بقوة جيشه بقيادة ابنه وولي عهده الأمير سعود بن عبد العزيز من تحرير نجران تدعم قوة هذا الجيش أبناء قبائل نجران، وكادت صعدة أن تسقط لولا مبادرة الإمام في طلب الصلح الذي فرضته القوة فتم تحرير نجران من جيش غاز مملوءة قلوبهم حقداً حيث لازالت آثار تدمير الجيش الإمامي ماثلة إلى الآن ويتذكر أبناء نجران ما حل ببلادهم على أيدي ذلك الجيش المتعصب يتوارث أبناء نجران إلى اليوم فداحة الجرم الذي أحدثه الجيش الإمامي في بلادهم وبتحرير نجران وبوصول الجيش السعودي إلى الحديدة بقيادة الأمير فيصل بن عبد العزيز أذعن إمام اليمن وأبرق للملك عبد العزيز يطلب الصلح ووقف الحرب والمثول للمواثيق والمعاهدات التي كان قد أبرمها مع الملك عبد العزيز.
لا أريد أن أدخل في المزيد من التفاصيل فمساحة هذه المقالة لا تتسع ولدي دراسات معمقة حول هذه الحرب التي دخلها الملك عبد العزيز- رحمه الله- مضطراً لحفظ حدوده وحماية مواطنيه.
والملك عبد العزيز- رحمه الله- قائد عظيم ورجل دولة من طراز نادر أمر قواته بإيقاف الحرب والخروج من الأراضي التي تعمقوا في داخلها ولم يكن له شروط إلا الامتثال لما كان قد تم بينه وبين إمام اليمن من مواثيق ونكث بها.
أولها الموافقة على تحديد الحدود بين البلدين على أسس ثابتة ودائمة.
وثانيها: تسليم من كان قد لجأ إليه من أفراد استغلهم الإمام لمصلحته مع عدم احترامه لأي منهم.
ثالثاً: كف الادعاء في ما ليس له حق الادعاء فيه من البلاد التابعة للملك عبد العزيز والتي لم يكن للإمام ولا من سبقه من الأئمة حق فيها.
وأراد بعضهم أن يطلب من الملك عبد العزيز فرض شرط رابع وهو حقه في التعويض عن خسائر حرب أجبر على الدخول فيها رفض الملك عبد العزيز إدخال هذا الشرط قائلاً هذا ليس من شيم العرب.
وتم الاتفاق بين البلدين على جميع القضايا بموجب ما نصت عليه اتفاقية الطائف عام 1934م.
وفي الختام أرى هناك تشابه بين ما حل بنجران عام 1352هـ على أيدي أسلاف الحوثيين وما حل بنجران في منتصف الأسبوع الماضي الأسبوع الأول من شهر مايو 2015م.
وما يقوم به الحوثيون من فرض إرادتهم بالقوة على الشعب اليمني الآن وذلك تنفيذاً لمشروع أسيادهم الفرس ليس فقط على اليمن وإنما على البلدان المجاورة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
وما قامت به عاصفة الحزم من نصرة للشعب اليمني ضد عصابة الحوثي وقامت به قواتنا المسلحة الشجاعة من ثأر لنجران إلا مقدمة لإخضاعهم للجلوس على طاولة المحادثات مع الشعب اليمني إن كانوا حقاً من الشعب اليمني.