يوسف المحيميد
أتساءل كثيراً من هو المستفيد الأول، والمتضرر الأول من قرار نسبة الـ 30% التي تم إقرارها كدفعة أولى للراغبين في التمويل العقاري؟ هل هي البنوك؟ أم العقاريون والمطورون؟ أم المواطن الغلبان؟ في نظري أنّ البنوك هي المستفيد الأوحد من هذا الأمر، لأنّ من يعتقد أنّ هذا القرار سيخفض أسعار العقار والفلل والشقق السكنية، فهو غلطان، ولا يدرك آلية عمل أي سوق من وجهة نظر اقتصادية محضة، فمجرد عدم وجود سيولة لدى المواطنين، لدفع هذه الـ 30% من قيمة العقار، سيقلل من الطلب على المساكن، وهذا يعني احتمال انخفاض أسعارها، لكن هذا الأمر لن يحدث، لأنّ أي مطور عقاري، أو شركة عقارية، مجرد أن يشعر بالقلق من احتمال انخفاض الأسعار، وبالتالي تراجع أرباحه، سيحجم عن بناء المزيد من الوحدات السكنية، مما يعني تباطؤ نمو السوق العقاري، وثبات الأسعار دون انخفاضها، بل قد تتصاعد الأسعار أكثر، نظراً لإحجام كثير من شركات التطوير العقاري عن بناء وحدات جديدة، وبالتالي انخفاض شديد في مستوى العرض، مما يعني نمو الأسعار وتصاعدها أكثر!
هل قرار مؤسسة النقد كان كما في تصريح مدير عام الرقابة على شركات التمويل، للمحافظة على سلامة قطاع التمويل واستقراره، واحترازاً من الوقوع في أزمة مشابهة للأزمة المالية العالمية؟ أم حماية حقوق البنوك السعودية، بصرف النظر عن الحالة المادية للمواطن الحالم ببيت العمر؟ وبصرف النظر عن تباطؤ نمو السوق العقاري؟
اعتقد أنه وبعيداً عن المقارنات مع الدول المتقدمة، لأننا سنتعب من المقارنات غير العادلة، إننا بحاجة إلى أنظمة خاصة بنا تراعي مختلف الأطراف، فمثل هذه القرارات تحافظ على حقوق البنوك وأموالها، ولا تحل أزمة السكن، ولا تسهم في خفض أسعار الوحدات المعروضة للبيع، لأنّ السوق سيعيد ترتيب العرض من تلقاء نفسه.
فمن يعتقد أنّ هذا القرار سيحل أزمة السكن بخفض الأسعار هو مخطئ، لأن ما يحل هذه الأزمة هو تدخل الحكومة بشكل مباشر، ودعم أي مواطن تنطبق عليه شروط الاستحقاق للسكن، بتقديم قرض حسن عن طريق البنوك التجارية الربحية، بحيث يسدد المواطن قيمة القرض فقط، وعلى أقساط ميسرة، بينما تتولى الدولة دفع الفوائد المترتبة على هذا القرض، فهذا هو ما سيحل الأزمة، وليس الإصرار والمبالغة بالوقوف مع البنوك حتى لو ترتب على ذلك تباطؤ النمو العقاري!
فإذا كانت لدينا رغبة أكيدة في حل مشكلة الإسكان، فإنّ الحلول كثيرة وسهلة، ودون الإضرار بالقطاع العقاري، ونموه المستمر، المهم فقط أن تراعى مصلحة المواطن أولاً، ثم النظر في القطاع العقاري، والاقتصادي بشكل عام، ثم مراعاة شركات التمويل والبنوك التجارية، والحفاظ على حقوقها.