د. محمد عبدالله العوين
يلتقي هذا اليوم في واشنطن الرئيس الأمريكي أوباما زعماء دول الخليج أو من ينوب عنهم، ويتواصل الحوار غداً الخميس بين الجانبين في منتجع كامب ديفيد بولاية ميرلاند، وتم اختيار المنتجع للإضفاء على الضيافة الأمريكية طابعاً عفوياً يوحي بعمق العلاقة وصلابتها أمام طوارئ الأحداث وتقلب المنافع وتنكر الصداقات التي لا يمكن أن تزول خيالاتها من أذهان كثيرين لم يشفع لهم ما أظهروه من صدق وما قدموه من خدمات وما سمعوه من وعود تنتقل من شفة رئيس راحل إلى شفة رئيس قادم دون أن تمنع الوعود الخلابة من اقتلاع أنظمة وسقوط رؤساء واحتراق بلدان كانت الصداقة الأمريكية الأمل المرتجى في حماية تلك الأنظمة، والشواهد التاريخية لا تغيب عن الذاكرة؛ كما كان شأن الصداقة الأمريكية التي تركت شاه إيران وحيداً في العراء لا يجد ملجأ، أو ماركوس الفلبين، أو حسني مبارك مصر، وغيرهم!
لقد أثبتت الأحداث أن الوعود الأمريكية أخف من ريش النعام أمام هبوب الرياح، وأن الصداقة المتينة أمس سرعان ما تنقلب عداوة اليوم أو في أحسن الأحوال تتناسى الود القديم!
لن نمارس نحن العرب رومانسيتنا الموروثة التي تجري في عروقنا مجرى الدم؛ يكفينا أن قلوبنا الرقيقة الشفافة تجهد وتتلف ويصيبها العطب حين نحب؛ فكيف يمكن أن نجد في قلوبنا بقية من صمود لعلاقات سياسية نزقة مراهقة ميكافلية براجماتية تتقلب وتتغير بتقلب وبتغير أحوال الطقس وبازدهار أو انحدار الاقتصاد وبامتلاء أو نفاد الأرصدة؟!
لقد آن لنا أيها السيد الأمريكي المبجل أن نكاشفك بأننا قد كبرنا على التلهي بالكلمات الودودة المعسولة، وأننا قد شبعنا من تدبيج العبارات وصفصفة الجمل الأنيقة على منصات المؤتمرات الإعلامية خلال أكثر من أربعة عقود طوقتنا السياسة الأمريكية بالكلمات الرقيقة والوعود الخلابة؛ ولكننا نصحو فجأة على نيران الغزاة وجيوش الأعداء تطوقنا من كل جانب!
اسمحوا لنا أيها الأصدقاء الأمريكان أن نقول لكم بكل أسف إننا كنا صادقين معكم في كل ما نقول، وأننا أوفياء معكم في كل ما نعمل، وأننا نبلاء معكم في كل ما نقدم؛ ولكنكم لم تكافئوننا بما نستحق من صدق وعدل وإنصاف وإكرام.
لقد كبرت أكاذيبكم حتى غدت بمثابة جبال سرواتنا؛ قلتم إن حصار العراق كان لاكتشاف وتدمير المخزون الكيماوي، وبعد حصار مرير استمر أحد عشر عاماً هلك جراؤه أكثر من مليون طفل عراقي وبعد تفتيش دقيق ورقابة متواصلة بالكاميرات الثابتة والطائرات المحلقة على كل شبر لم تجدوا شيئا مما ادعيتموه، ثم غزوتم العراق وحللتم جيشه بدون سبب ظاهر؛ ولكن الغاية المخبوءة تبينت جلية باستبدال جيش عربي سني بجيش آخر فارسي شيعي؛ فكانت تلك كذبة كبرى لم نفق بعد من صدمتها؛ فلا أنتم غيرتم العراق إلى الأفضل، ولا أنتم تركتموه لأهله يختارون لإدارته من يرونه كفؤاً؛ بل أهديتموه إلى من رأيتم أنه سيكون الشريك الأفضل لكم في السيادة على المنطقة.
أما الكذبة الثانية التي لا تزال حارة تتردد في فضاء الإعلام؛ فهي «الخط الأحمر» الذي صار فاقعا كالدم بعد أن استخدم بشار كل أنواع الأسلحة المحرمة ضد الشعب السوري، وكان رئيسكم قد أرعد وأزبد ولكنه رعد ناعم رقيق أسفر عن رمي ملايين الأطنان من السلاح الكيماوي في البحار حماية لإسرائيل فقط!
أما الكذبة الثالثة؛ فهي تهديد الحوثيين بأن احتلال صنعاء أو عدن لا يمكن قبوله وأن أمريكا تقف مع الشرعية؛ ولكن أمريكا الموقرة كانت تعلم كل العلم عن الخطوات الأولى لنشوء وتكون مليشيا الحوثي المؤدلجة وجهود إيران في صناعتها كما صنعت حزب الله في لبنان!
إننا لا نريد أن تحارب أمريكا إنابة عنا؛ فنحن أقوياء بالله ثم بما نتكئ عليه من إيمان بعدالة قضايانا، وبحقنا في أن نحيا بعزة وكرامة وحرية؛ نريد فقط التعامل بتكافؤ المصالح وتبادل المنافع والصدق والعدل في النظر إلى حقوق الشعوب العربية.
نشكر لأمريكا صداقتها الموجعة التي تدعيها؛ ولكننا سنكون أغنياء حتماً عن صديق يقول ولا يفعل، أو ربما يفعل خلاف ما يقول!