د. أحمد الفراج
في كل مرة أكتب عن السياسة الأمريكية، أكون مضطرا لتوضيح أن نقد النظام السياسي الأمريكي، أو نقد السياسات الأمريكية لا يعني القدح بالديمقراطية الأمريكية، فأمريكا بلد مؤسساتي عريق، لا يحكمها الرئيس وحده، وسياساتها ترسم لعقود مقبلة، وتسير بسلاسة، بمعنى أن الرئيس الجمهوري يكمل ما بدأه الرئيس الديمقراطي، والعكس بالعكس، ولا يختل هذا التوازن، جزئيا فقط ، إلا بوجود رئيس قوي جدا، مثل ابراهام لينكولن، أو فرانكلين روزفلت، أو جون كينيدي، أو ريتشارد نيكسون، أو جورج بوش الأب، فمثل هؤلاء الرؤساء اتخذوا قرارات جريئة، ولم تكن تلك القرارات لتنسف الخط السياسي المرسوم، بل تسير بالتوازي معه، أو تخالفه جزئيا، بما لا يؤثر على الخط السياسي العام، فالديمقراطية الأمريكية عمرها يتجاوز المائتي عام، ولا تزال القوانين التي كتبها الآباء المؤسسون تحكم البلاد حتى اليوم، مع تغييرات طفيفة بالطبع، تتماشى مع تطور الحياة على مدى أكثر من قرنين.
عندما كتبت تقريرا طويلا عن الحياة السياسية في أمريكا، في عام 2004، وهو التقرير الذي تم تداوله بشكل واسع، كان هناك اعتراض على عنوان التقرير، والذي كان :» الديمقراطية المنتقاة!»، واستغرقت وقتا طويلا، وعشرات المقالات لأشرح أن الديمقراطية الأمريكية « منتقاة «، ولا يعنيني من لم يقتنع، فكثيرون لا زالوا يجهلون أن من يحدد الفائز برئاسة الإمبراطورية الأمريكية ليس جمهور الشعب، بل « المجمع الإنتخابي «، ولن أعيد ما كتبته مرارا، ولكن هذا يعني أنه من الممكن أن يفوز مرشح ما برئاسة أمريكا، حتى لو لم يصوت له أغلبية الشعب، وهذا ما حصل فعلا في انتخابات عام 2000، وذلك عندما فاز المرشح الديمقراطي، البرت قور بأغلبية أصوات الشعب الأمريكي، وفاز بوش الإبن بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، وبالتالي فاز بوش بالرئاسة، رغم أن أغلبية الشعب الأمريكي صوتت لخصمه آل قور!!.
الديمقراطية الأمريكية لا تعني أن بإمكان أي مرشح للرئاسة أن يفوز، فالتاريخ يخبرنا أنه لم يفز أي مرشح بالرئاسة، خارج إطار الحزبين الرئيسين، الجمهوري والديمقراطي !!، وذلك رغم وجود عشرات الأحزاب السياسية، وعشرات المرشحين، في كل انتخابات رئاسية، ففي هذه الديمقراطية، لا يمكن أن يفوز من لا تمنحه القوى الضالعة، واللوبيات المتنفذة شهادة حسن سيرة وسلوك، حتى ولو كان أعظم مواطن أمريكي!!، كما لا يختار الشعب من يريد، بل يختار أحد الخيارات التي تطرح أمامه، فحتى الآن، نعلم أن الخيارات المطروحة للانتخابات الرئاسية لعام 2016، تشمل عدة أسماء جمهورية، وعدة أسماء ديمقراطية، وما على الناخب الأمريكي إلا أن يختار أحدها، حتى لو لم يكن مقتنعا بأي مرشح، أو يتنازل عن حقه في التصويت!!، ولو أردت لقلت لكم من سيرأس أمريكا بعد أوباما، ولكن هذا سيفقد الانتخابات بريقها، ووهجها الإعلامي!!، ولذا فسألتزم الصمت!!.