اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والمنافسة الاقتصادية إذا ما دخلت معترك المواجهة وأخذت مكانها المرسوم لها في المشهد، والتقى الهدف الاقتصادي مع الهدف السياسي عندئذٍ تبلغ المواجهة مستوىً متقدِّماً، إن لم يحل دون الصراع العسكري فقد يُفضي إليه، والاقتصاد هو عصب الحياة، وهو المحرِّك الأساسي لعناصر القوة الوطنية ويمثِّل مركز الثقل فيها، وزيادة تفاعل هذه العناصر فيما بينها وتأثيرها على الأحداث مرهون بمدى فاعلية هذا العنصر، والمواجهة الاقتصادية مع إيران وخاصة في مجال النفط كفيلة بتحجيم طموح هذا البلد وتقليص دوره وزيادة الضغط على اقتصاده، وإطالة أمد ترهله قبل أن يسترد عافيته بعد رفع العقوبات المفروضة عليه، وتحجيم القوة الاقتصادية الايرانية ينجم عنه تراجع في تسليح الأذرع العميلة وتحجيم الدور الذي يلعبه المال السياسي في دول المنطقة، وما يهدف إليه من أهداف قذرة ذات أساليب ملتوية، يتم ضخ المال بموجبها لكسب الولاءات وفرض الإملاءات وارتكاب الجرائم والمحرَّمات من قتل وتشريد ونهب وسلب.
والمواجهة الفكرية والثقافية يجب أن تتبنَّى إيجاد مشروع مضاد للمشروع الإيراني الطائفي الذي يدعو إلى نشر المذهب وتصدير الثورة، والمشروع المأمول يركز على الدعوة إلى الدين الإسلامي الصحيح، كما نص عليه القرآن الكريم ووضحته السنة النبوية المطهرة، ويعمل على احقاق الحق وإزهاق الباطل، وهو أمر يستدعي تصويب بعض المفاهيم الدينية التي أوَّلها وحرّفها معممو الملالي بما يصدر عنهم من خزعبلات تنال من سماحة الدين الإسلامي وشرف مقاصده، وتلحق الأذى بالمسلمين، والمواجهة الفكرية لن تطرح ثمارها وتؤتي أكلها حتى يكون في مكنتها منع المبتدع من الترويج لبدعته والدعوة إليها، والحيلولة بين نظام الملالي وبين اختطاف الشيعة العرب، وتسميم أفكارهم، وتحويلهم إلى دمى يحركونها كيف شاؤوا، ومتى شاؤوا، والبديل المطلوب أن يتمكن القائمون على المشروع من تتويج ما سبق بصناعة الاعتدال وجمع الفرق السنية على كلمة واحدة وهدف واحد، وسحب البساط من تحت إيران، ومواجهة مشروعها الطائفي بمشروع دولة معتدلة، وإذا لم يجد ذلك نفعاً فمعاقبتها بنقل التطرف إليها، بعد قيام الحجة عليها وفضح ضلالات الرافضة، ونفاقهم السياسي، وتعرية مشروعهم، وبيان أهدافه المذهبية والسياسية، عندئذ يُعترف لهذا المشروع بإنجاز مهامه وأداء رسالته، وبالتالي يُحمد مسعاه ويُشهد له بالنجاح وكما قال الشاعر:
وكلهمْ من رسول الله ملتمس
غرفاً من البحر أو رشفاً من الدّيَم
وقال آخر:
عمدة الدين عندنا كلمات
مسندات من قول خير البريهْ
اترك الشبهات وازهدْ ودعْ ما
ليس يعنيك واعملنّ بنيهْ
وعملية إعادة الأمل التي تلت عاصفة الحزم، لم تكن عملاً عسكرياً منعزلاً وقصفاً جوياً منفرداً، بل تخضع لتأثير السياسة والاقتصاد والأعمال الإنسانية، وتقترن فيها عمليات القصف الجوي بأعمال الإغاثة وتزويد المقاومة الوطنية على الأرض بالأسلحة، بالإضافة إلى عمليات الحظر الجوي والتحركات الدبلوماسية التي تهدف إلى إعادة الأمل والاستقرار إلى اليمن وإبعاد إيران عن الساحة وتحييدها عسكرياً وعزلها سياسياً بغية منعها عن تزويد الحوثيين بالأسلحة من جهة، وردعها عن الدخول في مواجهة مع طيران التحالف أو التورط في عمل عسكري غير محسوب العواقب من جهة أخرى.
ورغم ما مارسته إيران وتمارسه من استقزازات فإن المواجهة العسكرية القائمة معها، أقرب ما تكون مواجهة بالوكالة، ولم تصل إلى حد المواجهة الفعلية، وإذا لم تكن معجلة كما يلوح في الأفق فهي مؤجلة، والسبب هو أن النظام الإيراني عداوته متأصلة وذات طابع أزلي أبدي، وله هدف مؤدلج وآخر مسيَّس، والطائفية المذهبية والنزعة الشعوبية قد تعجل بالمؤجل، واستفزازات إيران المتكررة لدول التحالف في اليمن من المؤشرات التي تنذر بذلك، كما أن ما تفعله إيران في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين، يؤجج الصراع المذهبي والاعلامي والسياسي، وما يجر إليه مثل هذا التصرف من الدخول في صراع عسكري مباشر، ولا يحول دون ذلك إلا وجود قوة ردع قادرة على توفير أمن التهديد مقابل تهديد الأمن، وقد قال الشاعر:
والشر إن تلْقه بالخير ضقت به
ذرعاً وإن تلْقه بالشر ينحسم
وهناك قاعدة مفادها، أنه كلما كانت الصورة المرسومة للمستقبل دقيقة ازدادت فرص انقلابها إلى حقيقة، وعلى ضوء هذه القاعدة فإن المراهنة على مصداقية النظام الحاكم في إيران وتحسن العلاقة معه أقرب إلى المستحيل لأن غايته تبرر وسيلته، وينظر إلى علاقاته مع الدول السنية في المنطقة من منظور نشر مذهبه وتصدير ثورته وبسط نفوذه الاقليمي على حساب هذه الدول، عن طريق نصب المصائد وسياسة المكائد، وكما قال الشاعر:
يلقاك بالماء النمير الفتى
وفي ضمير النفس نار تقد
يعطيك لفظاً ليناً مسه
ومثل حد السيف ما يعتقد
وعلاقة المملكة مع إيران لها أبعاد بعيدة ومؤثرات عديدة، ومرد ذلك أن إيران دولة ذات مشروع مذهبي سياسي أمني، وطبيعة برجماتية، لا تؤمن إلا بمصالحها، ومصالحها لا تتفق مع مصالح المملكة، والخلاف معها خلاف في العقيدة والمذهب والسياسة ومعطيات الأمن، وأمن إيران حسب فكرها الصفوي وعقليتها الثورية وحبها للسيطرة لن يتحقق إلا باختراق دول مجلس التعاون مذهبياً وتهديد أمنها والتوسع على حسابها والعلاقة المتوازنة في هذه البيئة تعد من الصعوبة بمكان إلا في حالة وجود مشروع مضاد وقوة أمنية وعسكرية رادعة على المستوى التقليدي وما فوق التقليدي والعلاقات بين الدول لا تعترف بالمبادئ إلا في إطار المصالح والقوة المتكافئة، والمصالح متحولة، والتحالفات متغيرة، والاعتماد على القوة الذاتية وإصلاح الداخل هما الحصن الحصين والمحضن الأمين لمقاومة التحديات والتهديدات، مع الأخذ في الحسبان التوفيق بين قوة السياسة وسياسة القوة بما في ذلك إيجاد تحالف قوي وتفتيت التحالفات التي يقيمها الخصم.
ومَنْ هذا حاله فإن العلاقة معه لن يستقر لها قرار، والانفتاح عليه يعني قبولاً بتصدير ثورته واعترافاً بمشروعه، وفي ذلك مغالطة غير محسوبة العواقب، والتعامل بعفوية والانخداع بالتقية واحسان النية في الأشرار غير مقبول عند ذوي الألباب واصحاب الجانب المهاب، والآن بعد ما حصحص الحق وزهق الباطل، ولم يبق في قوس الصبر منزع، ولا إلى غير المواجهة مفزع، وتحركت القافلة في الاتجاه الصحيح، ولا خيار إلا خيار المواجهة، فلا بد من الاستمرار فيها لردع أهل الضلال والمحافظة على مستقبل الأجيال، خاصة وقد قطعت إيران شوطاً بعيداً في التسلح وذهبت فيه كل مذهب، وطالما هذه ممارستها وتجاوزاتها وأطماعها، وهي لم تمتلك السلاح النووي، فكيف بها إذا امتلكته، والظاهر يعكس صورة الباطن وحقيقته، والعج يدل على الريح.
وفي هذه المرحلة المصيرية والمفصلية من تاريخ الأمة، وقد استعادت المملكة زمام المبادرة واستعرضت كشف حساباتها، وبدأت في ترتيب أولوياتها، وأدركت قيادتها أن عزتها في تمسكها بدينها وأن عظم قَدْرها، مرتبط بقَدَرها، فكونها قبلة للمسلمين لوجود الأماكن المقدسة فيها والتشرف بحمايتها وخدمتها، وما أسبغ الله عليها من نعمة عمارة الأرض التي هبط فيها الوحي وشع منها نور الإسلام وانطلقت منها الرسالة السماوية، وما للمملكة من مكانة عربية وإسلامية ودولية، ووزنها السياسي وثقلها الاقتصادي ومركزها الحضاري، كل هذه المعطيات وغيرها لا تسمح لها بالاستكانة والسلبية تجاه قضايا الأمتين العربية والإسلامية، ولا مندوحة أمامها من اصلاح الداخل والتفاعل مع الخارج بأبعاده الثلاثة العربي والاسلامي والعالمي.
والمواجهة لا بديل عنها، والأمة لا يهابها الأعداء، وتقرّ بها أعين الحلفاء والأصدقاء إلا إذا كانت قوية مرهوبة الجانب، والحق لا يحميه إلا قوة تمتلك ناصية الردع بجوانبه التقليدية وما فوق التقليدية والنووية، والمحاولات المستميتة لإيران للحصول على السلاح النووي قد تمكنها من الحصول عليه عاجلاً أم آجلاً، مستفيدة من خداعها ونفاقها السياسي واساليبها الملتوية في ظل انتشار ظاهرة التسلح غير المشروع وتجارة السلاح غير المنضبطة، وكثرة البؤر الساخنة والإرهاب الحقيقي والمفتعل، ومجازفات ومغامرات الملالي عندئذ تجعل احتمالات اللحاق بإيران وتبادل الردع معها في غاية الصعوبة، ووقتها تكون المملكة ومعها دول مجلس التعاون مثل المنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، والمفرِّط يصبح ضحية تفريطه والتاريخ لا يرحم، وقد قال الشاعر:
ومن لم يُبحْ زرق الأسنة لحمه
أبيح حماه واسترقت حلائلهْ
ومن ضيع السيف اتكالاً على العصا
شكا وقع حد السيف مّمن ينازلهْ
والواقع أن النجاح السابق هو أقوى حافز للحصول على النجاح اللاحق، ولكل شيء ثمن وثمن النجاح هو ما يبذل فيه من جهد والقدرة على المحافظة عليه، وبتطبيق هذه الحقائق على النجاح العسكري والسياسي في عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل والتأييد لها والقبول الحسن الحاصل بسببها يتضح للجميع أن الثمن باهظ ولكن كل شيء يرخص في سبيل الوطن مهما كان غالياً، والاستمرار لا مناص عنه وثمنه يأخذ بعداً أبعد وهو أعظم تكلفة وأعظم مردوداً، والمواجهة طريقها طويل وهدفها بعيد وتكاليفها جسيمة وعائداتها لا تقدر بثمن، ويجب الاتعاظ من الماضي والاستفادة من دروسه وأخذ العبرة من الأحداث الماضية والجارية والبدء بتنفيذ الاتحاد بين دول مجلس التعاون وتفعيله بما يخدم المصالح الوطنية العليا لدول المجلس، وكذلك وقوف الدول العربية صفاً واحداً ضد إيران وإفشال مخططاتها في المنطقة والاسراع بتشكيل القوة العربية المزمع إنشاؤها وتفعيلها على الأرض طبقاً لمعاهدة الدفاع العربي المشترك، كما يلزم تعهد الحلف الاستراتيجي مع الباكستان وتطويره واقامة تحالف مع تركيا والدول الإسلامية الفاعلة والاستفادة من الدول الكبرى دون الاعتماد عليها والإذعان لضغوطها أو الارتهان لمصالحها.