محمد آل الشيخ
الإيرانيون اليوم يراقبون بقلق بالغ وترقب يكتنفه الخوف، مشهدين: المشهد الأول حزب الحوثيين وحزب الله ومأزقيهما؛ الحوثيين في اليمن وحزب الله في سوريا.. أما المشهد الثاني فقمة كامب ديفيد، وما سوف تنتهي إليه من التزامات ومواقف بين الأمريكيين والخليجيين؛ خاصة بعد (عاصفة الحزم)، وما نتج عنها من إعادة ترتيب القوى في المنطقة، وتراجع نفوذ المد الإيراني.
هذان المشهدان تقض مضاجع الملالي، إضافة أيضا إلى تحفظ دول الخليج ومعهم أغلبية أعضاء الكونجرس الأمريكي، على الاتفاقية الغربية الإيرانية، بشأن التأكد من سلمية المفاعلات النووية الإيرانية، خاصة وأن هذه الاتفاقية، المسماة (اتفاقية لوزان)، وقعها بالأحرف الأولى الإيرانيون ودول الخمس زائداً واحداً، وما زالت اتفاقية (إطار) لم يصلوا فيها بعد إلى تفاصيل اتفاق نهائي وملزم؛ وهذا يعني أن الأمريكيين قد يُغيرون جزءاً من مواقفهم ويتجهون إلى التشدد أكثر عند التباحث بشأن الصيغة النهائية، إذا شعروا بضرورة الاستجابة للمتغيرات في المنطقة وضغوطها، إضافة إلى مراعاة تحفظات الكونجرس.
قلق الملالي سببه أن ما ينتج عن هذه القمة، سيُلقي بظلاله على التجاذبات الإقليمية بينهم وبين الخليجيين؛ فالإيرانيون يدركون جيداً أن حصار الحوثيين في اليمن وقصفهم، وإفشال مخططهم الانقلابي، دون أن يمدوا لهم يد العون، أضعفهم وهز صورتهم في المنطقة؛ كما أن استنزاف نظام الأسد وحزب الله في سوريا من قبل الثوار السوريين وهزائمهم المتكررة أضعفهم أكثر؛ فجاء موقف الكونجرس السلبي والمتحفظ على اتفاقية لوزان، فزاد الطين بللا؛ ما جعل الملالي في وضع أقل ما يقال عنه إنه مرتبك وغير مطمئن؛ لأن ما ستنتهي إليه قمة كامب ديفيد سينعكس على الصراع الإقليمي في المنطقة, بما يُحجمهم ويحد من تدخلاتهم ويحاصر توسعاتهم وتغولهم في المنطقة؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى يزيد من تعقيد مشاكلهم الاقتصادية، وينسف آمالهم في تحسن تدفقاتهم النقدية بعد رفع الحصار كما كانوا يأملون؛ فإيران الملالي بلا مال كالأفعى بلا أنياب، لا قيمة لها ولا خوف منها؛ إضافة إلى أن الإيرانيين كانوا قد تنازلوا كثيرا فيما يخص اتفاقية لوزان، على أمل أن يُفرج الغرب، وبالذات أمريكا، عن الأرصدة المالية المجمدة لهم، ويتم رفع الحظر الاقتصادي عنهم الذي أثقل كاهلهم، ليمتصوا تذمراً شعبياً داخلياً من سوء الأوضاع المعيشية، وتدني الخدمات وقصورها، وبالذات في المناطق النائية غير الفارسية، وذات النزعة الانفصالية على الأطراف؛ هذا التذمر والشعور باليأس والإحباط، هو الآن في مرحلة النضوج والتراكم، ويتضخم ويتصاعد أكثر مع مرور الوقت، وبقاء العقوبات؛ وإذا لم يتلمس الملالي له حلولاً، سيصل حتما إلى الانفجار، وسيكون كثورة البركان الخامد، ولن يثوب إلى ما كان عليه، ويعود إلى السكون، إلا إذا قذفت بهم حممه خارج السلطة، واجتثَّ الكهنوتيين والكهنوتية من جذورها؛ فأغلبية الإيرانيين اليوم، بعد أن عانوا من مغامرات الملالي، ورهاناتهم الخاسرة التي استنزفتهم واستهلكت مقدراتهم كثيرا، هم الآن -كما يؤكد كثير من المحللين- أكثر من أي وقت مضى يتوقون إلى (دولة مدنية) يحكمها المدنيون، ويعود الملالي إلى حوزاتهم، كما كانوا طوال التاريخ.
مأساة الإنسان الإيراني غير المؤدلج مع الملالي، تكمن في أن غاية ما يُشغلهم وما يهدفون إليه، هو نشر المذهب الشيعي بنسخته الصفوية لا العربية، واستبدال مدينة (النجف) في العراق بمدينة (قم) في إيران، كعاصمة للتشيع ولمرجعيات الشيعة الفقهية في العالم، وشراء الأذناب والعملاء في الخارج، وتأسيس الأحزاب الشيعية، بصبغة صفوية موالية لهم، ومؤمنة بفكرة (الولي الفقيه)، وتجنيد الميليشيات التي تحارب نيابة عنهم، بعد ذلك يجري طمس التشيع العربي أولاً، لإقامة إمبراطورية فارس الشيعية الصفوية في النهاية؛ أما آخر ما يهمهم فهو الإنسان الإيراني، وبناؤه كإنسان معاصر، وتحويله من كائن استهلاكي متخلف، وماضوي وتراثي متكلس، إلى إنسان مُنتج وعامل وعقلاني وخلاق ومتحضر؛ كما هي طموح أية دولة ريعية متخلفة، تهدف أولاً وأخيراً، إلى نقل شعبها من التخلف إلى الحضارة والتحضر.
عاصفة الحزم وما نتج عنها من هزيمة منكرة لإيران وأذنابها في اليمن جعلت نظام الملالي في وضع الإنسان المهزوم المفلس، الذي تكالبت عليه المصائب من كل حدب وصوب، ولا يدري كيف يتعامل معها.
إلى اللقاء.